للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القُرطبيُّ : وقد رَوى ابنُ وَهبٍ وابنُ القاسِمِ وأشهَبُ عن مالكٍ أنَّه سُئل عن هذه الآيةِ، فقال: الناسُ في ذلك على قَدرِ طاقَتِهم ويُسرِهم وجلَدِهم، قال أشهَبُ لِمالكٍ: أهو الزادُ والراحِلةُ؟ قال: لا واللهِ، ما ذاكَ إلا على قَدرِ طاقةِ الناسِ، وقَد يَجدُ الزادَ والراحِلةَ ولا يَقدرُ على السَّيرِ، وآخَرُ يَقدرُ أنْ يَمشيَ على رِجلَيه (١).

الأمرُ الثاني: اختلَف الفُقهاءُ في الزادِ ووسائلِ المواصَلاتِ، هل يُشترَطُ مِلكيَّةُ المُكلَّفِ لِما يُحصِّلُها به أو لا يُشترَطُ؟

فذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والحَنابلةُ إلى أنَّ مِلكَ ما يَحصلُ به الزادُ ووسيلةُ المواصَلاتِ -النَّقلُ- شَرطٌ لتَحقيقِ وُجوبِ الحَجِّ، فلا يَلزمُه الحَجُّ ببَذلِ غيرِه له، ولا يَصيرُ مُستطيعًا بذلك، سَواءٌ كان الباذِلُ قَريبًا أو أجنَبيًّا، وسَواءٌ بذَلَ له الرُّكوبَ والزادَ أو بذَل له مالًا.

ولأنَّه ليس بمالكٍ للزادِ ولا للراحِلةِ أصلًا ولا لثَمنِهما، فلم يَلزمْه الحَجُّ.

وذهَب الشافِعيةُ إلى أنَّه يَجبُ الحَجُّ بإباحةِ الزادِ والراحِلةِ إذا كانت الإباحةُ مِما لا مِنةَ له على المُباحِ له، كالابنِ إذا بذَل الزادَ والراحِلةَ لِأبيه.

فإنْ كان يُعطيه غيرُ الولدِ ففيه وَجهانِ:

أحدُهما: لا يَلزمُه الحَجُّ؛ لأنَّ في الولَدِ إنَّما وجَب عليه؛ لأنَّه بُضعةٌ منه،


(١) «تفسير القرطبي» (٤/ ١٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>