للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنْ كان ممَّن يَكتسِبُ كِفايتَه بتِجارةٍ أو صِناعةٍ لزِمه فَرضُ الحَجِّ، وهكذا إنْ كانَت عادَتُه مَسألةَ الناسِ لزِمه فَرضُ الحَجِّ، كذلك أوجَب مالكٌ على المُطيقِ المَشيَ الحَجَّ، وإنْ لم يَكنْ معه زادٌ وراحِلةٌ، وهو قولُ عبدِ اللهِ ابنِ الزُّبيرِ والشَّعبيِّ وعِكرِمةَ (١).

واستدلَّ المالِكيةُ على ذلك بما يَلي:

١ - بقولِ اللهِ تعالى: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا﴾ أي: مُشاةً.

قالوا: ولأنَّ الحَجَّ من عِباداتِ الأبدانِ من فرائضِ الأعيِانِ، فوجَب ألَّا يَكونَ الزادُ من شُروطِ وجوبِها، ولا الراحِلةُ، كالصَّلاةِ والصِّيامِ.

قالوا: ولَو صحَّ حَديثُ: «الزادِ والراحِلةِ» لحمَلناه على عُمومِ الناسِ، والأغلَبُ مِنهم في الأقطارِ البَعيدةِ، وخُروجُ مُطلَقِ الكَلامِ على أغلَبِ الأحوالِ كَثيرٌ في الشَّريعةِ وفي كَلامِ العَربِ وأشعارِهم.

٢ - بقولِ اللهِ تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾.

قالوا: والآيةُ عامَّةٌ ليست مُجمَلةً، ولا تَفتقِرُ إلى بَيانٍ، فكأنَّه تعالى كلَّف كلَّ مُستطيعٍ على وَجهٍ قدِر بمالٍ أو ببَدنٍ، والدَّليلُ على ذلك قولُه : «لا تَحلُّ الصَّدقةُ لغَنيٍّ ولا لِذي مِرةٍ سَويٍّ» (٢)، فجعَل صِحةَ الجِسمِ مُساويةً للغِنى، فسقَط قولُ من اعتبَر الراحِلةَ.


(١) «تفسير القرطبي» (٤/ ١٤٨، ١٤٩).
(٢) حَديثٌ صَحيحٌ: تقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>