للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذا كافِرٌ، ويُؤيِّدُ هذا التَّأويلَ أنَّه قال: فليَمتْ إنْ شاءَ يَهوديًّا أو نَصرانيًّا، وظاهرُه أنَّه يَموتُ كافِرًا، ولا يَكونُ ذلك إلا إذا اعتقَد عَدمَ وُجوبه مع الاستِطاعةِ، وإلا فقد أجمَعتِ الأُمةُ على أنَّ من تَمكَّن من الحَجِّ فلم يحُجَّ وماتَ لا يُحكمُ بكُفرِه؛ بل هو عاصٍ، فوجَب تَأويلُ الحَديثِ لو صحَّ، واللهُ أعلمُ.

والجَوابُ عن قياسِهم على الصَّومِ: أنَّ وقتَه مُضيَّقٌ، فكانَ فِعلُه مُضيَّقًا بخَلافِ الحَجِّ.

والجَوابُ عن قياسِهم على الجِهادِ من وَجهَين:

أحدُهما: جَوابُ القاضي أبي الطيِّبِ وغيرِهِ: لا نُسلِّمُ بوُجوبه على الفَورِ؛ بل هو مَوكولٌ إلى رَأيِ الإمامِ بحَسبِ المَصلحةِ في الفَورِ والتَّراخي.

والثاني: أنَّ في تَأخيرِ الجِهادِ ضَررًا على المُسلمينَ، بخِلافِ الحَجِّ.

والجَوابُ عن قولِهم: إذا أخَّره وماتَ، هل يَموتُ عاصيًّا، أنَّ الصَّحيحَ عندَنا مَوتُه عاصيًّا، قال أصحابُنا: وإنَّما عصَى لتَفريطِه بالتَّأخيرِ إلى المَوتِ، وإنَّما جازَ له التَّأخيرُ بشَرطِ سَلامةِ العاقِبةِ، كَما إذا ضرَب ولَده أو زَوجتَه، أو المُعلمُ الصَّبيَّ، أو عزَّر السُّلطانُ إنسانًا فماتَ، فإنَّه يَجبُ الضَّمانُ؛ لأنَّه مَشروطٌ بسَلامةِ العاقِبةِ، والله أعلمُ (١).


(١) «المجموع» (٧/ ٧٠، ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>