للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابنُ قُدامةَ : وسُنَّةُ رَسولِ اللهِ أحَقُّ أنْ تُتَّبَعَ، وهذا الحَديثُ يَدُلُّ على أنَّ المَكروهَ إفرادُه؛ لأنَّ نَهيَه مُعلَّلٌ بكَونِها لم تَصُمْ أمسِ ولا غَدًا (١).

قال الإمامُ النَّوَويُّ : قال الأصحابُ وغَيرُهم: الحِكمةُ في كَراهةِ إفرادِ يَومِ الجُمُعةِ بالصَّومِ أنَّ الدُّعاءَ فيه مُستحَبٌّ، وهو أرجَى فهو يَومُ دُعاءٍ وذِكرٍ وعِبادةٍ من الغُسلِ والتَّبكيرِ إلى الصَّلاةِ، وانتِظارِها، واستِماعِ الخُطبةِ وإكثارِ الذِّكرِ بعدَها، لِقَولِه تَعالى: ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الجمعة: ١٠]، ويُستحَبُّ فيه أيضًا الإكثارُ من الصَّلاةِ على رَسولِ اللهِ وغَيرِ ذلك من العِباداتِ في يَومِها؛ فاستُحِبَّ له الفِطرُ فيه؛ لِيَكونَ أعْوَنَ على ذلك من العِباداتِ وأدائِها بنَشاطٍ وانشِراحٍ والتِذاذٍ بها من غَيرِ مَللٍ ولا سآمةٍ، وهو نَظيرُ الحاجِّ بعَرَفاتٍ؛ فإنَّ الأوْلَى له الفِطرُ كما سبَق لِهذه الحِكمةِ.

فإنْ قيلَ: لو كان كذلك لم تَزُلْ هذه الكَراهةُ بصيامٍ قبلَه أو بعدَه لِبَقاءِ المَعنى الذي نَهى بسَبَبِه.

فالجَوابُ: أنَّه يَحصُلُ له بفَضيلةِ الصَّومِ الذي قَبلَه أو بَعدَه ما يَجبُرُ ما قد يَحصُلُ من فُتورٍ أو تَقصيرٍ في وَظائِفِ يَومِ الجُمُعةِ بسَببِ صَومِه، فهذا هو المُعتمَدُ في كَراهةِ إفرادِ يَومِ الجُمُعةِ بالصَّومِ (٢).


(١) «المغني» (٤/ ٢٢٩).
(٢) «المجموع» (٧/ ٧٠٨)، و «شرح مسلم» (٨/ ١٩)، و «البدائع» (٢/ ٥٩٠)، و «البحر الرائق» (٢/ ٢٧٨)، و «ابن عابدين» (٢/ ٨٣)، و «الاستذكار» (٣/ ٣٨٢)، و «شرح الزرقاني» (٢/ ٢٧٦)، و «بداية المجتهد» (١/ ٤٢٣)، و «المغني» (٤/ ٢٢٨)، و «الإنصاف» (٣/ ٣٤٧)، و «زاد المعاد» (١/ ٤١٧، ٤٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>