للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= يَصومَ بَقيَّةَ يَومِه، وهذا إنَّما يَكونُ في الواجِبِ، وكيف يَصحُّ قَولُ ابنِ مَسعودٍ: فلَمَّا فُرِض رَمَضانُ تُرِك عاشوراءُ واستِحبابُه لم يُترَكْ.
وإشكالٌ آخَرُ: وهو أنَّ ابنَ عَباسٍ جعَل يَومَ عاشوراءَ يَومَ التاسِعِ، وأخبَرَ أنَّ هكذا كان يَصومُه ، وهو الَّذي رَوَى عن النَّبيِّ : «صُوموا يَومَ عاشوراءَ وخالِفوا اليَهودَ، صُوموا يَومًا قَبلَهُ أو يَومًا بَعدَه»، ذَكَره أحمدُ، وهو الَّذي رَوَى: «أمَرَنا رَسولُ اللَّهِ بصَومِ عاشُوراءَ يَومَ العاشِرِ» ذَكَره التِّرمِذيُّ.
فالجَوابُ عن هذه الإشكالاتِ بعَونِ اللَّهِ وتأييدِه وتَوفيقِه:
أمَّا الإشكالُ الأوَّلُ: وهو أنَّه لَمَّا قَدِمَ المَدينةَ وجَدَهم يَصومونَ يَومَ عاشوراءَ، فلَيسَ فيه أنَّ يَومَ قُدومِه وجَدَهم يَصُومونَه، فإنَّه إنَّما قَدِم يَومَ الاثنَيْن في رَبيعٍ الأوَّلِ ثانيَ عَشَرَ، ولَكِنَّ أوَّلَ عِلمِه بذَلِكَ بوُقوعِ القِصَّةِ في العامِ الثاني الذي كان بعدَ قُدومِه المَدينةَ ولم يَكُنْ وهو بمَكَّةَ هذا إنْ كانَ حِسابُ أهلِ الكِتابِ في صَومِه بالأشهُرِ الهِلاليَّةِ وإنْ كانَ بالشَّمسيَّةِ زالَ الإشكالُ بالكُلِّيَّةِ ويَكونُ اليَومُ الَّذي نَجَّى اللَّهُ فيه موسى هو يَومَ عاشوراءَ مِنْ أوَّلِ المُحَرَّمِ فضبَطه أهلُ الكِتابِ بالشُّهورِ الشَّمسيةِ، فوافَقَ ذلك مَقدِمَ النَّبيِّ المَدينةَ في رَبيعٍ الأوَّلِ، وصَومُ أهلِ الكِتابِ إنَّما هو بحِسابِ سَيرِ الشَّمسِ، وصَومُ المُسلِمينَ إنَّما هو بالشَّهرِ الهِلاليِّ وكذلك حَجُّهم وجَميعُ ما تُعتبَرُ له الأشهُرَ مِنْ واجِبٍ أو مُستَحَبٍّ، فقالَ: «نَحنُ أحَقُّ بموسَى منكم»، فظهَر حُكمُ هذه الأولَويَّةِ في تَعظيمِ هذا اليَومِ وفي تَعيينِه، وهُم أخطَؤوا تَعيينَه لِدَوَرانِه في السَّنةِ الشَّمسيَّةِ كما أخطأ النَّصارى في تَعيينِ صَومِهم بأنْ جعَلوه في فَصلٍ مِنَ السَّنةِ تَختلِفُ فيه الأشهُرُ.
وأمَّا الإشكالُ الثاني: وهو أنَّ قُرَيشًا كانت تَصومُ عاشوراءَ في الجاهِليَّةِ وكانَ رَسولُ اللَّهِ يَصُومُه فلا رَيبَ أنَّ قُرَيشًا كانت تُعظِّمُ هذا اليَومَ، وكانوا يَكسونَ الكَعبةَ فيه، وصَومُه مِنْ تَمامِ تَعظيمِه، ولَكِنْ إنَّما كانوا يَعُدُّونَ بالأهِلَّةِ فكانَ عِندَهم عاشِرَ المُحرَّمِ، فلَمَّا قَدِمَ النَّبيُّ المَدينةَ وجَدَهم يُعَظِّمونَ ذلك اليَومَ ويَصومونَه، فسألَهم عنه، فقالوا: هو اليَومُ الذي نَجَّى اللَّهُ فيه موسَى وقَومَه مِنْ فِرعَونَ فقالَ: «نَحنُ أحَقُّ مِنكم =

<<  <  ج: ص:  >  >>