للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو عُمَرَ بنُ عَبدِ البَرِّ : لم يَبلُغْ مالِكًا حَديثُ أبي أيُّوبَ على أنَّه حَديثٌ مَدَنيٌّ، والإحاطةُ بعِلمِ الخاصَّةِ لا سَبيلَ إليه، والذي كَرِهه مالِكٌ أمْرٌ قد بَيَّنَه وأوضَحَه، وذلك خَشيةَ أنْ يُضافَ إلى فَرضِ رَمضانَ، وأنْ يَستبينَ ذلك إلى العامَّةِ، وكان خَشيةَ أنْ يُضافَ إلى فَرضٍ، فكان مُتحفِّظًا كَثيرَ الاحتياطِ لِلدِّينِ.

وأما صيامُ الأيامِ السِّتَّةِ من شَوَّالٍ على طَلبِ الفَضلِ وعلى التأويلِ الذي جاء به ثَوبانَ ؛ فإنَّ مالِكًا لا يَكرَهُ ذلك إنْ شاءَ اللهُ ؛ لأنَّ الصَّومَ جُنَّةٌ، وفَضلَه مَعلومٌ لِمَنْ رَدَّ طَعامَه وشَرابَه وشَهوَتَه للهِ تَعالى.

وهو عَملُ بِرٍّ وخَيرٍ، وقد قال اللهُ ﷿: ﴿وَافْعَلُوا الْخَيْرَ﴾ [الحج: ٧٧]، ومالِكٌ لم يَجهَلْ شَيئًا من هذا، ولم يَكرَهْ من ذلك إلا ما خافَه على أهلِ الجَهالةِ والجَفاءِ إذا استمَرَّ ذلك، وخَشيَ أنْ يَعُدُّوه من فَرائِضِ الصِّيامِ مُضافًا إلى رَمضانَ، وما أظُنُّ مالِكًا جَهِل الحَديثَ واللهُ أعلَمُ.

وقد يُمكِنُ أنْ يَكونَ جَهِلَ الحَديثَ ولو عَلِمَه لَقال به، واللهُ أعلَمُ (١).

وقال ابنُ العَربيِّ : رأى قَومٌ من أهلِ الجَفاءِ أنْ يَصوموا ثانيَ عيدِ الفِطرِ سِتَّةَ أيامٍ مُتَوالياتٍ إتمامًا لِرَمضانَ لِما رُوي في الحَديثِ: «مَنْ صامَ رَمضانَ وسِتًّا من شَوَّالٍ فكأنَّما صامَ الدَّهرَ» أخرَجه مُسلِمٌ.


(١) «الاستذكار» (٣/ ٣٨٠)، و «حاشية ابن القيم على سنن أبي داود» (٧/ ٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>