للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثانيةُ: لو أفطَر بعُذرٍ وزالَ العُذرُ وتَمكَّنَ من القَضاءِ، ولم يَقضِ حتى ماتَ فقد اختَلفَ الفُقهاءُ هل يُطعَمُ عنه ولا يَجوزُ أنْ يُصامَ عنه أو يَجوزُ الصَّومُ عنه؟ على تَفصيلٍ في ذلك:

فذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ في الصَّحيحِ من المَذهبِ والحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنَّه يَجِبُ في تَرِكَتِه إطعامُ مِسكينٍ لكلِّ يَومٍ، ولا يَصحُّ صيامُ وَلِيِّه عنه؛ لأنَّ الصَّومَ واجِبٌ بأصلِ الشَّرعِ لا يُقضى عنه؛ لأنَّه لا تَدخُلُه النِّيابةُ في الحياةِ فكذلك بعدَ المَماتِ كالصَّلاةِ.

وذهَب الشافِعيُّ في القَديمِ -وهو اختيارُ النَّوَويِّ، وهو قَولُ أبي الخَطَّابِ من الحَنابِلةِ- إلى أنَّه يَجوزُ لِوَلِيِّه أنْ يَصومَ عنه، ويَصحُّ ذلك، ويُجزِئُه عن الإطعامِ، وتُبرأُ به ذِمَّةُ المَيِّتِ، لكنْ لا يَلزمُ الوَليَّ الصَّومُ، بل هو إلى خِيرَتِه، لِحَديثِ عائِشةَ عن النَّبيِّ : «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عنه وَلِيُّه» (١).

وقال الحَنابِلةُ: مَنْ مات وعليه صَومٌ مَنذورٌ صامَ عنه وَلِيُّه على الصَّحيحِ من المَذهبِ، وهو اختيارُ النَّوَويِّ من الشافِعيَّةِ.

قال في «الإنصافِ»: يُستحَبُّ لِلوَليِّ فِعلُه. واعلَمْ أنَّه إذا كان له تَرِكةٌ وجَب فِعلُه فيُستحَبُّ لِلوَليِّ الصَّومُ، وله أنْ يَدفعَ إلى مَنْ يَصومُ عنه مِنْ تَرِكَتِه عن كلِّ يَومٍ مِسكينًا؛ فإنْ لم يَكُنْ له تَرِكةٌ لم يَلزَمْه شَيءٌ (٢).


(١) رواه البخاري (١٩٥٢)، ومسلم (١١٤٧).
(٢) «الإنصاف» (٣/ ٣٣٦، ٣٣٧)، و «البدائع» (٢/ ٦٥٤)، و «الجوهرة النيرة» (١/ ١٤٣)، و «مراقي الفلاح» (٣٧٥)، و «جواهر الإكليل» (١/ ١٦٣)، و «مواهب الجليل» (٢/ ٥٤٣)، و «المنتقى» (٢/ ٢٧١)، و «الشرح الصغير» (١/ ٧٢١)، و «المجموع» (٧/ ٦١٨، ٦٢٧)، و «الإفصاح» (١/ ٤١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>