للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الإمامُ الكاسانيُّ : الكَلامُ في كَيفيَّةِ وُجوبِ القَضاءِ أنَّه على الفَورِ أو على التَّراخي كالكَلامِ في كَيفيَّةِ الوُجوبِ في الأمرِ المُطلَقِ عن الوَقتِ أصلًا كالأمرِ بالكَفَّاراتِ والنُّذورِ المُطلَقةِ ونَحوِها، وذلك على التَّراخي عندَ عامَّةِ مَشايخِنا، ومَعنى التَّراخي عندَهم أنَّه يَجِبُ في مُطلَقِ الوَقتِ غَيرَ عَينٍ، وخيارُ التَّعيينِ إلى المُكلَّفِ، ففي أيِّ وَقتٍ شُرِع فيه تَعيينُ ذلك الوَقتِ لِلوُجوبِ، وإنْ لم يُشرَعْ، يَتضيَّقُ الوُجوبُ عليه في آخِرِ عُمُرِه في زَمانٍ يَتمكَّنُ فيه من الأداءِ قبلَ مَوتِه.

وحَكى الكَرخيُّ عن أصحابِنا أنَّه على الفَورِ، والصَّحيحُ هو الأولُ، وعندَ عامَّةِ أصحابِ الحَديثِ الأمرُ المُطلَقُ يَقتَضي الوُجوبَ على الفَورِ على ما عُرِف في أُصولِ الفِقهِ.

وحَكى القُدُوريُّ عن الكَرخيِّ أنَّه كان يَقولُ في قَضاءِ رَمضانَ: إنَّه مُؤقَّتٌ بما بينَ رَمضانَيْن، وهذا غَيرُ سَديدٍ بل المَذهبُ عندَ أصحابِنا أنَّ وُجوبَ القَضاءِ لا يَتوقَّتُ، لِما ذكَرنا أنَّ الأمرَ بالقَضاءِ مُطلَقٌ عن تَعيينِ بَعضِ الأوقاتِ دونَ بَعضٍ فيَجري على إطلاقِه، ولِهذا قال أصحابُنا: إنَّه لا يُكرَهُ لِمَنْ عليه قَضاءُ رَمضانَ أنْ يَتطوَّعَ ولو كان الوُجوبُ على الفَورِ لَكُرِه له التَّطوُّعُ قبلَ القَضاءِ؛ لأنَّه يَكونُ تأخيرًا لِلواجِبِ عن وَقتِه المُضيَّقِ وأنَّه مَكروهٌ، وعلى هذا قال أصحابُنا: إنَّه إذا أخَّرَ قَضاءَ رَمضانَ حتى دخَل رَمضانُ آخَرُ فلا فِديةَ عليه.

وقال الشافِعيُّ: عليه الفِديةُ كأنَّه قال بالوُجوبِ على الفَورِ مع رُخصةِ التَّأخيرِ إلى رَمضانَ آخَرَ، وهذا غَيرُ سَديدٍ لِما ذكَرنا أنَّه لا دِلالةَ في الأمرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>