للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ الصَّومَ في رَمضانَ أفضَلُ الوَقتَيْن، والصَّومَ في أفضَلِ وَقتَيِ الصَّومِ أفضَلُ منه في غَيرِه.

ولِحَديثِ حَمزةَ بنِ عَمرٍو الأسلَميِّ المُتقدِّمِ وفيه: «إنْ شِئْتَ فَصُمْ، وَإِنْ شِئْتَ فَأَفْطِرْ». فمَن خُيِّرَ بينَ الصَّومِ والفِطرِ، كان الصَّومُ له أفضلَ، كالتَّطوُّعِ.

ولأنَّه إذا أفطَر فقد أخَّر الصَّومَ عن وَقتِه، ولأنَّ الإتيانَ بالفُروضِ في أوقاتِها أفضَلُ، ولأنَّه يأمَنُ الفَواتَ، ويَحوزُ الثَّوابَ، وتَبرَأُ ذِمَّتُه. وقد دَلَّت الآياتُ على أنَّ الصَّومَ عَزيمةٌ، والفِطرَ رُخصةٌ، والعَزيمةُ أفضَلُ من الرُّخصةِ ما لم تَعُدْ بضَرَرٍ.

قال ابنُ رُشدٍ : ما كان رُخصةً فالأفضَلُ تَركُ الرُّخصةِ (١).

وقيَّد الحَنفيَّةُ أفضَليَّةَ الصَّومِ أيضًا بما إذا لم يَكُنْ مُعظَمُ رُفقَتِه مُفطِرين، أو مُشتَرِكين في النَّفَقةِ؛ فإنْ كانوا كذلك فالأفضَلُ فِطرُه مُوافَقةً لِلجَماعةِ (٢).

وذهَب الحَنابِلةُ في المَذهبِ وابنُ حَبيبٍ وعَبدُ المَلِكِ بنُ الماجِشونِ وابنُ عَبدِ البَرِّ من المالِكيَّةِ إلى أنَّ الفِطرَ لِلمُسافِرِ أفضَلُ، لِقَولِ النَّبيِّ : «ليس مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ». وفي رِوايةٍ: «عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الذي رَخَّصَ لَكُمْ» (٣).


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٤٠٧). وانظر: «البدائع» (٢/ ٦٣٤)، و «الشرح الصغير» (١/ ٤٦٤)، و «الهداية» (٢/ ٢٧٣)، و «الدر المختار» (٢/ ١١٧)، و «القوانين الفقهية» (٨١)، و «المجموع» (٧/ ٤٣١)، و «كشاف القناع» (٢/ ٣١٢).
(٢) «حاشية الطحطاوي» (٤٥٢)، و «نور الإيضاح» (١/ ١١١).
(٣) رواه البخاري (١٨٤٤)، ومسلم (١١١٥) والزيادة له.

<<  <  ج: ص:  >  >>