للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَب المالِكيَّةُ والشافِعيَّةُ وأحمدُ في أصَحِّ الرِّوايتَيْن عنه إلى أنَّه يَلزمُه كَفارتان: لأنَّه تَكرَّر سَببُ وُجوبِ الكَفَّارةِ، وهو الجِماعُ، والحُكمُ يَتكرَّرُ بتَكرُّرِ سَببِه: لأنَّ كلَّ يَومٍ عِبادةٌ مُنفَرِدةٌ، وأفسَد صَومَ يَومَيْن من رَمضانَ فوجَب إخراجُ كَفَّارةٍ زائِدةٍ على كَفَّارةِ الأولِ، ولأنَّهما عِبادَتان لا يَلحَقُ إحداهما فَسادُ الأُخرى كالحَجَّتَيْن والعُمرَتَيْن.

وذهَب الحَنفيَّةُ وأبو بَكرٍ من الحَنابِلةِ، وهو ظاهِرُ اختيارِ الخِرَقيِّ إلى أنَّه إنَّما يَلزَمُه كَفَّارةٌ واحِدةٌ: لأنَّها جَزاءٌ عن جِنايةٍ يَتكرَّرُ سَببُها قبلَ استيفائِها؛ فيَجِبُ أنْ تَتداخَلَ كالحَدِّ.

ولِحَديثِ الأعرابيِّ المُتقدِّمِ؛ فإنَّه لَمَّا قال: واقَعتُ امرأتي، أمَرَه رَسولُ اللهِ بإعتاقِ رَقبةٍ واحِدةٍ بقَولِه: «أعتِقْ رَقبةً»، وإنْ كان قَولُه: «واقَعتُ» يَحتمِلُ المَرَّةَ والتَّكرارَ ولم يَستفسِرْ، فدَلَّ على أنَّ الحُكمَ لا يَختلِفُ بالمَرَّةِ والتَّكرارِ.

قال الكاسانيُّ : ولأنَّ مَعنى الزَّجرِ لَازِمٌ في هذه الكَفَّارةِ، أعني: كَفَّارةَ الإفطارِ، بدَليلِ اختِصاصِ وُجوبِها بالعَمدِ المَخصوصِ في الجِنايةِ الخالِصةِ الخاليةِ عن الشُّبهةِ، بخِلافِ سائِرِ الكَفَّاراتِ، والزَّجرُ يَحصُلُ بكَفَّارةٍ واحِدةٍ بخِلافِ ما إذا جامَع فكَفَّر ثم جامَع؛ لأنَّه لَمَّا جامَع بعدَما كَفَّر عَلِم أنَّ الزَّجرَ لم يَحصُلْ بالأولِ (١).


(١) «البدائع» (٢/ ٦٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>