وقال ابنُ القَيِّمِ ﵀: اختَلفَ الناسُ هل يَجِبُ القَضاءُ في هذه الصُّورةِ؟ فقال الأكثَرون: يَجِبُ، وذهَب إسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ وأهلُ الظاهِرِ إلى أنَّه لا قَضاءَ عليهم، وحُكمُهم حُكمُ مَنْ أكلَ ناسيًا وحُكي ذلك عن الحَسَنِ ومُجاهِدٍ واختُلِف فيه على عُمَرَ فرَوى زَيدُ بنُ وَهبٍ قال: كُنْتُ جالِسًا في مَسجِدِ رَسولِ اللهِ ﷺ في رَمضانَ في زَمنِ عُمَرَ فأتَيْنا بكأسٍ فيها شَرابٌ من بَيتِ حَفصةَ فشَرِبنا ونحن نَرى أنَّه من اللَّيلِ ثم انكشَف السَّحابُ، فإذا الشَّمسُ طالِعةٌ، قال:«فجعَل الناسُ يَقولون: نَقضي يَومًا مَكانَه، فسَمِع بذلك عُمَرُ فقال: واللهِ لا نَقضيه، وما تَجانَفا لِإثمٍ»، رَواه البَيهَقيُّ وغَيرُه.
وقد رَوى مالِكٌ في المُوطَّأِ عن زَيدِ بنِ أسلَمَ أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ أفطَر ذاتَ يَومٍ في رَمضانَ في يَومٍ ذي غَيمٍ ورأى أنَّه قد أمسى، وغابَت الشَّمسُ، فجاءَه رَجلٌ فقال له: يا أميرَ المُؤمِنين، قد طلَعت الشَّمسُ، فقال عُمَرُ: الخَطبُ يَسيرٌ، وقد اجتهَدْنا، قال مالِكٌ: يُريدُ بقَولِه: الخَطبُ يَسيرٌ: القَضاءَ، فيما نَرى واللهُ ﷾ أعلَمُ.
وكذلك قال الشافِعيُّ: وهذا لا يُناقِضُ الأثَرَ المُتقدِّمَ.
وقَولُه: وقد اجتهَدْنا مُؤْذِنٌ بعَدمِ القَضاءِ، وقَولُه: الخَطبُ يَسيرٌ، إنَّما هو تَهوينٌ لِما فَعلوه، وتَيسيرٌ لِأمرِه.
ولكنْ قد رَواه الأثرَمُ والبَيهَقيُّ عن عُمَرَ، وفيه: مَنْ كان أفطَرَ فليَصُمْ يَومًا مَكانَه، وقدَّم البَيهَقيُّ هذه الرِّوايةَ على رِوايةِ زَيدِ بنِ وَهبٍ وجعَلها خَطأً وقال: تَظاهَرت الرِّواياتُ بالقَضاءِ، قال: وكان يَعقوبُ بنُ سُفيانَ