للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَب الإمامُ أحمدُ في الرِّوايةِ الثالِثةِ عنه (وهي المَشهورةُ) إلى أنَّه يَجِبُ صَومُ ذلك اليَومِ، لِما رَوى نافِعٌ عن ابنِ عُمَرَ قال: قال رَسولُ اللهِ : «إنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ، فَلا تَصُومُوا حتى تَرَوُا الْهِلالَ وَلا تُفْطِرُوا حتى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا له» (١).

قال نافِعٌ: «كان ابنُ عُمَرَ إذا مَضى من شَعبانَ تِسعةٌ وعِشرونَ يَومًا بعَث مَنْ يَنْظُرُ له الهِلالَ، فإنْ رأى فذاك، وإذا لم يَرَ ولم يَحُلْ دونَ مَنظَرِه سَحابٌ ولا قَتَرٌ أصبَح مُفطِرًا، وإنْ حال دونَ مَنظَرِه سَحابٌ أو قَتَرٌ أصبَح صائِمًا» (٢). قال ابنُ قُدامةَ : ومعنى «اقدُروا له»: ضَيِّقُوا له العَددَ من قَولِه تَعالى: ﴿وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾ [الطلاق: ٧]. أي ضُيِّقَ عليه، وقَولِه : ﴿يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ﴾ [الرعد: ٢٦]، والتَّضييقُ له أنْ يَجعلَ شَعبانَ تِسعةً وعِشرينَ يَومًا، وقد فسَّره ابنُ عُمَرَ بفِعلِه وهو رَاوِيه وأعلَمُ بمَعناه، فيَجِبُ الرُّجوعُ إلى تَفسيرِه كما رُجِع إليه في تَفسيرِ التَّفرُّقِ في خيارِ المُتبايِعَيْن، ورُوي عن عُمَرَ أنَّ رَسولَ اللهِ قال لِرَجلٍ: «هل صُمْتَ من سَرَرِ شَعْبَانَ شَيْئًا؟» قال: لا، وفي لَفظٍ: «أَصُمْتَ مِنْ سَرَرِ هَذَا الشَّهْرِ شَيْئًا؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَإِذَا أَفْطَرْتَ فَصُمْ يَوْمَيْنِ» (٣)، وسَرَرُ الشَّهرِ: آخِرُه، لَيالٍ يَستَتِرُ الهِلالُ فيها فلا يَظهَرُ، ولأنَّه شَكَّ في أحَدِ طَرَفيِ الشَّهرِ لم يَظهَرْ فيه أنَّه من غَيرِ رَمَضانَ فوجَب الصَّومُ، كالطَّوافِ الآخِرِ.


(١) رواه البخاري (١٨٠١)، ومسلم (١٠٨٠).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٢٣٢٠).
(٣) أَخرَجه البخاري (١٩٨٣)، ومسلم (٨١٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>