للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا المَعقولُ: فمِن وُجوهٍ:

أحَدُها: أنَّ الصَّومَ وَسيلةٌ إلى شُكرِ النِّعمةِ؛ إذْ هو كَفَّ النَّفسِ عن الأكلِ والشُّربِ والجِماعِ، وإنَّها من أجَلِّ النِّعَمِ وأعلاها، والامتِناعُ عنها زَمنًا مُعتبَرًا يُعرِّفُ بقَدرِها، إذِ النِّعمُ مَجهولةٌ له، فإذا فُقِدت عُرِفت، فيَحمِله ذلك على قَضاءِ حَقِّها بالشُّكرِ، وشُكرُ النِّعمِ فَرْضٌ عَقلًا وشَرعًا، وإليه أشار الرَّبُّ تَعالى في قَولِه في آيةِ الصِّيامِ: ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٨٥)[البقرة: ١٨٥].

والثاني: أنَّه وَسيلةٌ إلى التَّقوى؛ لأنَّه إذا انقادَت نَفسُه لِلامتِناعِ عن الحَلالِ طَمعًا في مَرضاةِ اللهِ تَعالى، وخَوفًا من أليم عِقابه، فأوْلى أنْ تَنقادَ لِلامتِناعِ عن الحَرامِ، فكان الصَّومُ سَببًا لِلاتِّقاءِ عن مَحارِمِ اللهِ تَعالى وأنَّه فَرضٌ، وإليه وقَعت الإشارةُ بقَولِه تَعالى في آخِرِ الصَّومِ: ﴿لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣)[البقرة: ١٨٣].

والثالِثُ: أنَّ في الصَّومِ قَهرَ الطَّبعِ وكَسرَ الشَّهوةِ؛ لأنَّ النَّفسَ إذا شبِعت تمَنَّت الشَّهواتِ، وإذا جاعَت امتَنَعت عما تَهوى، ولذا قال النَّبيُّ : «يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، من اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فإنَّه أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فإنَّه له وِجَاءٌ» (١). فكان الصَّومُ ذَريعةً إلى الامتِناعِ عن المَعاصي وأنَّه فَرضٌ (٢).


(١) أَخرَجه البخاري في كتاب النكاح باب: «من لم يستطع الباءة فليصم» برقم (٤٧٧١)، ومسلم في كتاب النكاح (١٤٠٠).
(٢) «بدائع الصنائع» (٢/ ٥٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>