للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)[البقرة: ١٨٤]، وقد ثبَتَ باتِّفاقِ أهلِ العِلمِ وهو في كُتبِ الحَديثِ الصِّحاحِ وغيرِها وكُتبِ التَّفسيرِ والفِقهِ أنَّ اللهَ لمَّا أوجَبَ رَمضانَ كانَ المُقيمُ مُخيَّرًا بينَ الصَّومِ وبينَ أنْ يُطعِمَ كلَّ يَومٍ مِسكينًا، فكانَ الواجِبُ هو إِطعامَ المِسكينِ، وندَبَ سُبحانَه إلى إِطعامِ أكثَرَ من ذلك، فقال تَعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)﴾ ثم قالَ: ﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)﴾ فلمَّا كانوا مُخيَّرينَ كانوا على ثَلاثِ دَرجاتٍ أَعلاها الصَّومُ، ويَليه أنْ يُطعِمَ في كلِّ يَومٍ أكثَرَ من مِسكينٍ وأَدناها أنْ يَقتصِرَ على إِطعامِ مِسكينٍ، ثم إنَّ اللهَ حتَّم الصَّومَ بعدَ ذلك وأسقَطَ التَّخييرَ في الثَّلاثةِ … إلخ (١).

واستدَلَّ أَصحابُ القَولِ الأولِ -وهُم الجُمهورُ- على جَوازِ إِخراجِ الزِّيادةِ على الصاعِ في زَكاةِ الفِطرِ بالسُّنةِ والمَعقولِ:

أولًا: السُّنةُ:

عن أُبيِّ بنِ كَعبٍ قالَ: «بَعثَني النَّبيُّ مُصدِّقًا، فمَررتُ برَجلٍ فلمَّا جمَعَ لي مالَه لم أَجدْ عليه فيه إلا ابنةً مَخاضٍ، فقُلتُ له: أدِّ ابنةَ مَخاضٍ فإنَّها صَدقتُكَ، فقالَ: ذاك ما لا لَبنَ فيه ولا ظَهرَ، ولكنْ هذه ناقةٌ فَتيَّةٌ عَظيمةٌ سَمينةٌ، فخُذْها، فقُلتُ له: ما أنا بآخِذٍ ما لم أُومَرْ به، وهذا رَسولُ اللهِ منكَ قَريبٌ، فإنْ أحبَبتَ أنْ تَأتيَه فتَعرِضَ عليه ما عَرضتَ على فافعَلْ فإنْ قبِلَه منكَ قبِلتُه، وإنْ رَدَّه عليكَ رَددتُه قالَ: فإنِّي فاعِلٌ، فخرَج معي وخرَج بالناقةِ التي عرَضَ عليَّ حتى قدِمْنا على رَسولِ اللهِ فقالَ له: يا نَبيَّ اللهِ، أَتاني رَسولُكَ ليَأخذَ مني صَدقةَ مالِي وايمُ اللهِ ما قامَ في مالي رَسولُ اللهِ ولا رَسولُه قَطُّ قبلَه،


(١) «مجموع الفتاوى» (٣١/ ٢٤٩/ ٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>