للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقالَ مالِكٌ لِأبي يُوسفَ: أتَرى هؤلاء يَكذِبونَ؟ قالَ: لا واللهِ ما يَكذِبُ هؤلاء. قال مالِكٌ: فأنا حرَّرَت هذا برِطلِكم يا أهلَ العِراقِ، فوَجدتُه خَمسةَ أَرطالٍ وثُلثًا. فقالَ أبو يُوسفَ لمالِكٍ: قد رجَعَت إلى قَولِك يا أبا عبدِ اللهِ، ولو رَأى صاحِبي ما رَأيتُ لرجَعَ كما رجَعتُ.

فهذا النَّقلُ المُتواتِرُ عن أهلِ المَدينةِ بمِقدارِ الصاعِ والمُدِّ وقد ذهَبَ طائِفةٌ من العُلماءِ كابنِ قُتَيبةَ والقاضِي أبي يَعلى في تَعليقِه وجَدِّي أبي البَركاتِ إلى أنَّ صاعَ الطَّعامِ خَمسةُ أَرطالٍ وثُلثٌ، وصاعَ الماءِ ثَمانيةٌ، واحتجُّوا بحُجَجٍ منها خبَرُ عائِشةَ أنَّها كانَت تَغتسِلُ هي ورَسولُ اللهِ بالفَرقِ، والفَرقُ سِتةَ عشَرَ رِطلًا بالعِراقيِّ، والجُمهورُ على أنَّ الصاعَ والمُدَّ في الطَّعامِ والماءِ واحِدٌ، وهو أظهَرُ، وهذا مَبسوطٌ في مَوضعِه (١).

وقالَ الحافِظُ زَينُ الدِّينِ العِراقيُّ (٢): اختَلفَ العُلماءُ في مِقدارِ الصاعِ، فذهَبَ مالِكٌ والشافِعيُّ وأحمدُ وعُلماءُ الحِجازِ إلى أنَّه خَمسةُ أَرطالٍ وثُلثٌ بالرِّطلِ البَغداديِّ، وذهَبَ أبو حَنيفةَ وصاحِبُه مُحمدٌ إلى أنَّه ثَمانيةُ أَرطالٍ بالرِّطلِ المَذكورِ، وكانَ أبو يُوسفَ يَقولُ كقَولِهما ثم رجَعَ إلى قَولِ مالِكٍ والجُمهورِ لمَّا تناظَر مع مالِكٍ بالمَدينةِ فأَراه الصِّيعانَ التي تَوارَثها أهلُ المَدينةِ عن إِسلافِهم إلى زَمنِ النَّبيِّ ، وإِطلاقُ الصاعِ في الحَديثِ يَدلُّ على أنَّه مِكيالٌ مَعروفٌ عندَهم.


(١) «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٥٤، ٥٥) و (٢٥/ ٤٣)، وانظر: «القواعد النورانية» (١/ ٨٨).
(٢) «طرح التثريب» (٤/ ٥١، ٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>