للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ الماوَرديُّ: اختَلفَ قَولُ الشافِعيِّ في الأَقواتِ المُدَّخرةِ، هل هي على التَّرتيبِ: أو على التَّخييرِ، فله فيها قَولانِ:

أحَدُهما: نَصَّ عليه في بعضِ كُتبِه أنَّها على التَّخييرِ، والمُزكِّي مُخيَّرٌ بينَ جَميعِها، فمِن أيِّها أخرَجَ أجزَأَه.

والقَولُ الثاني: في الأقَلِّ، وهو نَصُّ الشافِعيِّ ههنا وفي أكثَرِ الكُتبِ أنَّ ذلك على التَّرتيبِ دونَ التَّخييرِ، والاعتِبارُ فيه بغالِبِ القُوتِ، فعلى هذا هل يُعتبَرُ غالِبُ قُوتِ بَلدِه أو غالِبُ قُوتِ نَفسِه؟ على وَجهَينِ:

أحَدُهما: وهو ظاهِرُ نَصِّ الشافِعيِّ ههنا وفي «الأُمّ»، وبه قالَ أبو سَعيدٍ الإِصطَخريُّ وأبو عُبيدِ بنُ حَربَويْهِ من أَصحابِنا: أنَّ الاعتِبارَ بغالِبِ قُوتِه في نَفسِه؛ لقَولِه تَعالى: ﴿مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩]، ولأنَّه مُخاطَبٌ بفَرضِ نَفسِه، فوجَبَ أنْ يَكونَ اعتِبارُه لقُوتِ نَفسِه.

والقَولُ الثاني: وهو قَولُ أبي العَباسِ بنِ سُرَيجٍ وأبي إِسحاقَ المَروَزيِّ، أنَّ الاعتِبارَ بغالِبِ قُوتِ بَلدِه؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ ، خاطَبَ أهلَ المَدينةِ جَميعًا بغالِبِ أَقواتِهم؛ ولأنَّ في اعتِبارِ غالِبِ قُوتِ البَلدِ تَوسعةً ورِفقًا، وفي اعتِبارِ كلِّ واحِدٍ مَشقةً وضيقًا، وما أدَّى إلى التَّوسِعةِ والرِّفقِ في المُواساةِ أَوْلى، فعلى هذَينِ الوَجهَينِ عدَلَ من غالِبِ القُوتِ إلى ما ليسَ بغالِبِ القُوتِ، فأخرَجَه في زَكاةِ فِطرِه، فذلك على ضَربَينِ:

أحَدُهما: أنْ يَكونَ ما أخرَجَه من زَكاتِه أدوَنَ من غالِبِ قُوتِه، كأنْ أخرَجَ شَعيرًا، وغالِبُ قُوتِه تَمرٌ فهذا لا يُجزِئُه؛ لأنَّه غيرُ ما وجَبَ عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>