للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأَوْلى بالمَعونةِ من فُقراءِ دارِ الحَربِ، أو إلى عالِمٍ أوطالِبِ عِلمٍ لِما فيه من إِعانةٍ على رِسالَتِه، أو كانَ نَقلُها إلى مَنْ هو أورَعُ أو أصلَحُ أو أنفَعُ للمُسلِمينَ، فإنَّه في هذه الصُّورِ جميعًا لا يُكرهُ له النَّقلُ (١).

لأنَّ اللهَ تعالَى قالَ: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾. فهذه الآيةُ اشتَملَت على ذِكرِ الأَصنافِ الذين تُصرَفُ لهم الزَّكاةُ، ولم تُفرَّقْ بينَ أهلِ بَلدٍ وبَلدٍ، فهي مُطلَقةٌ غيرُ مُقيَّدةٍ بمَكانٍ خاصٍّ.

قالَ أبو بَكرٍ الجَصَّاصُ : ظاهِرُ الآيةِ يَقتَضي جَوازَ إِعطائِها في غيرِ البَلدِ الذي فيه المالُ، وفي أيِّ مَوضعٍ شاءَ، ولذلك قالَ أَصحابُنا: أيُّ مَوضعٍ أدَّى فيه أجزَأَه، ويَدلُّ عليه أنَّا لم نَرَ في الأُصولِ صَدقةً مَخصوصةً بمَوضِعٍ حتى إنَّه لا يَجوزُ أداؤُها في غَيرِه، ألَا تَرى كَفاراتِ الأيمانِ والنُّذورِ وسائِرَ الصَّدقاتِ لا يَختَصُّ جَوازُها بأدائِها في مَكانٍ دونَ غيرِه؟ (٢).

وأمَّا الكَراهةُ فلقَولِ النَّبيِّ لمَّا بعَثَ مُعاذًا إلى اليَمنِ وقالَ له: «فأَعلِمهُم أنَّ اللهَ افتَرضَ عليهم صَدقةً في أَموالِهم تُؤخذُ مِنْ أَغنِيائِهم وتُردُّ على فُقرائِهم» (٣)؛ ولأنَّ هذا فيه رِعايةَ حقِّ الجِوارِ فكانَ أَوْلى.


(١) «الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه» (٢/ ٣٥٣)، و «شرح فتح القدير» (٢/ ٢٨٠)، و «الفتاوى الهندية» (١/ ١٩٠)، و «المبسوط» (٣/ ١٠٦)، و «تبيين الحقائق» (١/ ٣٠٥)، و «الهداية شرح البداية» (١/ ١١٥).
(٢) «أحكام القرآن» (٤/ ٣٤١).
(٣) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: تَقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>