وفي استِدلالِه بذلك نَظرٌ؛ لأنَّ الصَّلواتِ الخَمسَ لم تَكنْ فُرضَت بَعدُ، ولا صيامُ رَمضانَ، فيُحتمَلُ أنْ تَكونَ مُراجعةُ جَعفرٍ لم تَكنْ في أوَّلِ ما قدِمَ على النَّجاشيِّ، وإنَّما أخبَرَه بذلك بعدَ مُدةٍ قد وقَعَ فيها ما ذكَرَ من قصَّةِ الصَّلاةِ والصِّيامِ، وبلَغَ ذلك جَعفرًا، فقالَ:«يَأمرُنا» بمَعنى: يَأمرُ به أُمَّته، وهو بَعيدٌ جدًّا وأَوْلى ما حُملَ عليه حَديثُ أمِّ سَلمةَ هذا -إنْ سلِمَ من قَدحٍ في إِسنادِه- أنَّ المُرادَ بقَولِه:«يَأمرُنا بالصَّلاةِ والزَّكاة والصِّيامِ» أي: في الجُملةِ، ولا يَلزمُ من ذلك أنْ يَكونَ المُرادُ بالصَّلواتِ الصَّلواتِ الخَمسَ ولا بالصِّيامِ صِيامَ رَمضانَ، ولا بالزَّكاةِ هذه الزَّكاةَ المَخصوصةَ ذاتَ النِّصابِ والحَولِ، واللهُ ﷾ أعلمُ.
وممَّا يَدلُّ على أنَّ فَرضَ الزَّكاةِ وقَعَ بعدَ الهِجرةِ اتِّفاقُهم على أنَّ صِيامَ رَمضانَ إنَّما فُرضَ بعدَ الهِجرةِ؛ لأنَّ الآيةَ الدَّالةَ على فَريضَتِه مَدنيَّةٌ بلا خِلافٍ، وثبَتَ عندَ أحمدَ وابنِ خُزَيمةَ والنِّسائيِّ وابنِ ماجَه والحاكِمِ من حَديثِ قَيسِ بنِ سَعدِ بنِ عُبادةَ قالَ:«أمَرَنا رَسولُ اللهِ ﷺ بِصدقةِ الفِطرِ قبلَ أنْ تُنزَّلَ الزَّكاةُ، فلمَّا نزَلَت الزَّكاةُ لم يَأمرْنا ولم يَنهَنا ونحنُ نَفعَلُه»، إِسنادُه صَحيحٌ رِجالُه رِجالُ الصَّحيحِ، إلا أبا عَمارٍ الرَّاويَ له عن قَيسِ بنِ سَعدٍ، وهو كُوفِيٌّ اسمُه عَريبٌ بالمُهمَلةِ المَفتوحةِ، ابنُ حُميدٍ، وقد وثَّقَه أحمدُ وابنُ مَعينٍ، وهو دالٌّ على أنَّ فَرضَ صَدقةِ الفِطرِ كانَ قبلَ فَرضِ الزَّكاةِ فيَقتَضى وُقوعَها بعدَ فَرضِ رَمضانَ، وذلك بعدَ الهِجرةِ، وهو المَطلوبُ (١).