للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التي جبَلَ الناسَ عليها، يُرادُ أنَّها صَدقةٌ عن المالِ» (١).

وقالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ : «وأُضيفَتِ الصَّدقةُ للفِطرِ لكَونِها تَجبُ بالفِطرِ من رَمضانَ» (٢).

وقالَ الإمامُ النَّوويُّ : يُقالُ: زَكاةُ الفِطرِ وصَدقةُ الفِطرِ، ويُقالُ لِلمُخرَجِ فِطرةٌ، بكَسرِ الفاءِ لا غَيرُ، وهي لَفظةٌ مُولَّدةٌ لا عَربيَّةٌ، بل اصطِلاحيَّةٌ للفُقهاءِ، وكأنَّها من الفِطرةِ التي هي الخِلقةُ، أي: زَكاةُ الخِلقةِ (٣).


(١) «غريب الحديث» (١/ ٢٥).
(٢) «فتح الباري» (٣/ ٣٦٧).
(٣) «المجموع» (٦/ ٨٥). وقالَ ابنُ عابدين في «حاشيَتِه على الدُّرّ المُختارِ» (٢/ ٣٥٧): قَولُه: (والفِطرُ لَفظٌ إسلاميٌّ) اصطَلحَ عليه الفُقهاءُ كأنَّه من الفِطرةِ بمَعنى الخِلقةِ، كذا في البَحرِ تَبعًا للزَّيلَعيِّ.
والظاهِرُ أنَّ مُرادَه أنَّ الفِطرَ المُضافَ إليه الصَّدقةُ الذي هو اسمٌ لِليَومِ المَخصوصِ لَفظٌ شَرعيٌّ، أي: إطلاقُه على ذلك اليَومِ بخُصوصِه اصطِلاحٌ شَرعيٌّ، إذ لا شَكَّ أنَّ الفِطرَ الذي هو ضِدُّ الصَّومِ لُغويٌّ مُستعمَلٌ قبلَ الشَّرعِ، أو مُرادُه لَفظُ الفِطرةِ بالتاءِ بقَرينةِ التَّعليلِ.
ففي النَّهرِ عن شَرحِ الوِقايةِ أنَّ لَفظَ الفِطرةِ الواقِعَ في كَلامِ الفُقهاءِ وغَيرِهم مُولَّدٌ حتى عَدَّه بَعضُهم من لَحنِ العامَّةِ. اه. أي أنَّ الفِطرةَ المُرادُ بها الصَّدقةُ غَيرُ اللُّغويةِ؛ لأنَّها لم تأتِ بهذا المَعنى، وأمَّا ما في القاموسِ من أنَّ الفِطرةَ بالكَسرِ صَدقةُ الفِطرِ والخِلقةِ، فاعتَرضَه بَعضُ المُحقِّقين بأنَّ الأولَ غَيرُ صَحيحٍ؛ لأنَّ ذلك المُخرَجَ لم يُعلَمْ إلا من الشارِعِ، وقد عُدَّ من غَلطِ القاموسِ ما يَقعُ كَثيرًا فيه من خَلطِ الحَقائِقِ الشَّرعيَّةِ باللُّغويَّةِ. اه.
لكنْ في المُغرِبِ: وأمَّا قَولُه في «المُختصَر»: الفِطرةُ نِصفُ صاعٍ من بُرٍّ فمعناها صَدقةُ الفِطرِ، وقد جاءَت في عِباراتِ الشافِعيِّ وغَيرِه، وهي صَحيحةٌ من طَريقِ اللُّغةِ وإنْ لم أجِدْها فيما عندي من الأُصولِ. اه.
وفي تَحريرٍ هي اسمٌ مُولَّدٌ، ولَعلَّها من الفِطرةِ التي هي الخِلقةُ.
قالَ أبو مُحمدٍ الأبهريُّ: معناها: زَكاةُ الخِلقةِ كأنَّها زَكاةُ البَدنِ. اه.
وفي «المِصباحِ»: وقَولُهم: تَجِبُ الفِطرةُ، الأصلُ: تَجِبُ زَكاةُ الفِطرةِ وهي البَدنُ، فحُذِف المُضافُ وأُقيمَ المُضافُ إليه مَقامَه واستُغني به في الاستِعمالِ لِفَهمِ المَعنى. اه.
ومَشى عليه القُهُستانِيُّ، وِلهذا نقَلَ بَعضُهم أنَّها تُسمَّى صَدقةَ الرأسِ وزَكاةَ البَدنِ.
والحاصِلُ أنَّ لَفظَ الفِطرةِ بالتاءِ لا شَكَّ في لُغويَّتِه، ومَعناه الخِلقةُ، وإنَّما الكَلامُ في إطلاقه مراد به المُخرَجُ، فإنْ أُطلِق عليه بدونِ تَقديرٍ فهو اصطِلاحٌ شَرعيٌّ مُولَّدٌ، وأمَّا مع تَقديرِ المُضافِ فالمُرادُ بها المَعنى اللُّغويُّ، ولَعَلَّ هذا وَجهُ الصِّحَّةِ الذي أراده صاحِبُ المُغرِبِ، وأمَّا لَفظُ الفِطرِ بدونِ تاءٍ فلا كَلامَ في أنَّه مَعنًى لُغويٌّ، وبهذا تَعلَمُ ما في كَلامِ الشارِحِ تَبَعًا للنَّهرِ فافْهَمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>