للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأجابَ: وأمَّا إِسقاطُ الدَّينِ عن المُعسِرِ، فلا يُجزِئُ عن زَكاةِ العَينِ بلا نِزاعٍ، لكنْ إذا كانَ له دَينٌ على من يَستحِقُّ الزَّكاةَ فهل يَجوزُ أنْ يُسقِطَ عنه قَدرَ زَكاةِ ذلك الدَّينِ، ويَكونُ ذلك زَكاةَ الدَّينِ؟ فهذا فيه قَولانِ للعُلماءِ في مَذهبِ أحمدَ وغيرِه.

أظهَرُهما الجَوازُ: لأنَّ الزَّكاةَ مَبناها على المُواساةِ، وهنا قد أخرَجَ من جِنسِ ما يَملِكُ، بخِلافِ ما إذا كانَ مالُه عَينًا، وأخرَجَ دَينًا، فإنَّ الذي أخرَجَه دونَ الذي يَملِكُه، فكانَ بمَنزلةِ إِخراجِ الخَبيثِ عن الطَّيبِ، وهذا لا يَجوزُ، كما قالَ تَعالى: ﴿وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: ٢٦٧].

ولِهذا كانَ على المُزكِّي أنْ يُخرجَ من جِنسِ مالِه، وألا يُخرجَ أَدنى منه، فإذا كانَ له ثَمرٌ وحِنطةٌ جَيدةٌ لم يُخرجْ عنها ما هو دونَها (١).

وقالَ المَرداويُّ : لو أبرأَ رَبُّ المالِ غَريمَه من دَينِه بنيَّةِ الزَّكاةِ لم يُجزِئْه على الصَّحيحِ من المَذهبِ، نَصَّ عليه وعليه أكثَرُ الأَصحابِ، وقطَعَ به أكثَرُهم، سَواءٌ كانَ المُخرَجُ عنه عَينًا أو دَينًا، واختارَ الأَزجيُّ في النِّهايةِ الجَوازَ، كما تَقدَّمَ، وهو تَوجيهُ احتِمالٍ، وتَخريجٌ لِصاحِبِ الفُروعِ، وقالَ بِناءً على أنَّه هل هو تَمليكٌ أو لا، وقيلَ: يُجزِئُه أنْ يُسقِطَ عنه قَدرَ زَكاةِ ذلك الدَّينِ منه ويَكونَ ذلك زَكاةً ذلك الدَّينِ، حَكاه الشَّيخُ تَقيُّ الدِّينِ واختارَه أيضًا؛ لأنَّ الزَّكاةَ مُواساةٌ (٢).


(١) «مجموع الفتاوى» (٢٥/ ٨٤).
(٢) «الإنصاف» (٣/ ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>