ولأنَّ اللهَ تعالَى خَصَّ الأَصنافَ الثَّمانيةَ بالذِّكرِ كما خَصَّ الصِّنفَ الواحِدَ بالذِّكرِ، فلمَّا لم يَلزمِ استيفاءُ جَميعِ الصِّنفِ وجازَ الاقتِصارُ على بعضِه لم يَلزَمِ استيفاءُ جَميعِ الأَصنافِ، وجازَ الاقتِصارُ على بعضِها ويَتحرَّرُ منه قِياسانِ: أحَدُهما: أنَّها صَدقةٌ يَجوزُ أنْ يَخُصَّ بها بعضَ الفُقراءِ، فجازَ أنْ يَخُصَّ بها بعضَ الأَصنافِ كالكَفاراتِ.
والثاني: أنَّ مَنْ جازَ الاقتِصارُ عليه في الكَفاراتِ جازَ الاقتِصارُ عليه في الزَّكواتِ، قياسًا على بعضِ الفُقراءِ.
ولأنَّه لو استحَقَّ كلُّ صِنفٍ منهم سَهمًا يَخصُّه لَما جازَ فيمَن فُقدَ أنْ يَردَّ سَهمَه على مَنْ وُجدَ، وفي إِجماعِهم على جَوازِ ذلك مع فَقدِ بعضِهم دَليلٌ على جَوازِه مع وُجودِ بعضِهم.
قالوا: ولأنَّ المَقصودَ بها سَدُّ الخَلةِ التي لا يُمكنُ أنْ يَعمَّ بها الجَميعَ، فلا فَرقَ بينَ أنْ تَكونَ من صِنفٍ واحِدٍ أو مِنْ جَميعِ الأَصنافِ، كما لا فَرقَ بينَ أنْ تَكونَ من بعضِ الصِّنفِ أو مِنْ جَميعِه.
واللَّامُ في قَولِه تعالَى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ [التوبة: ٦٠] الآيةَ لبَيانِ المَصرِفِ والاستِحقاقِ أي: إنَّما الصَّدقاتُ مُستحَقةٌ للفُقراءِ إلخ، ولا يَلزمُ من الاستِحقاقِ الإِعطاءُ بالفِعلِ (١).
(١) «الهداية» (١/ ١١٣)، و «العناية شرح الهداية» (٣/ ١٩٨)، و «شرح فتح القدرير» (٢/ ٢٦٥)، و «الجوهرة النيرة» (٢/ ٢١٧، ٢١٨)، و «اللباب» (١/ ٢٤٧)، و «المدونة الكبرى» (٢/ ٢٩٥)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٣٥٢) ط: دار الفكر، و «مواهب الجليل» (٢/ ٢٥٢) ط: دار الفكر، و «شرح مختصر خليل» (٢/ ٢٢٠)، و «تحبير المختصر» (٢/ ١١٥)، و «حاشية الصاوي» (٣/ ٢٠٩)، و «المغني» (٣/ ٤٤٣، ٤٤٥)، و «شرح الزركشي» (١/ ٣٧٣).