للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أمَّا الحَنفيةُ: فإنَّهم يرَوْن أنَّ الغِنى الذي يَحرُمُ به أخذُ الصَّدقةِ وقَبولُها أحدُ أمرَينِ:

الأولُ: مِلكُ نِصابٍ زَكويٍّ مِنْ أيِّ مالٍ كانَ: كخَمسٍ من الإبِلِ السائِمةِ أو مِئتَي دِرهمٍ أو عِشرين دِينارًا (٨٥ جرامًا عيارَ ٢٤ من الذَّهبِ تَقريبًا)؛ لأنَّ الشَّرعَ جعَلَ الناسَ صِنفَينِ: غَنيًّا تُؤخذُ منه الزَّكاةُ وفَقيرًا تُردُّ عليه؛ لقَولِه : «تُؤخذُ من أَغنِيائِهم وتُردُّ على فُقرائِهم» (١)، ولا يَجوزُ أنْ يَكونَ غَنيًّا فَقيرًا في وَقتٍ واحِدٍ، كمَن كانَ لديه نِصابٌ تَجبُ فيه الزَّكاةُ ولكنْ عندَه كَثرةٌ من العِيالِ يَحتاجونَ إلى كَثيرٍ من النَّفقاتِ، لا يَجوزُ أنْ يُعطَى ولا يَحلُّ له أنْ يَأخذَ من الزَّكاةِ.

الثاني: أنْ يَملِكَ من الأَموالِ التي تَجبُ فيها الزَّكاةُ ما يَفضُلُ عن حاجَتِه وتَبلُغُ قيمةُ الفاضِلِ مِئتَي دِرهمٍ، كمَن يَقتَني من الثِّيابِ والفَرشِ والدَّوابِّ والكُتبِ والدُّورِ والحَوانيتِ وغيرِها زِيادةً على ما يَحتاجُ إليه، كلُّ ذلك للابتِذالِ والاستِعمالِ لا للتِّجارةِ والإِسامةِ، فإذا بقِيَ من ذلك ما تَبلغُ قيمَتُه مِئتَي دِرهمٍ حرُمَ عليه أنْ يَأخذَ من الصَّدقةِ، فمَن كانَ له دارانِ يَستَغني عن إحداهُما، وهي إذا بِيعت تُساوي نِصابَ النُّقودِ فلا يَجوزُ له أخذُ الزَّكاةِ، وكذلك إذا كانَ عندَه كُتبٌ ورِثَها مَثلًا أو أَدواتُ حِرفةٍ تُساوِي نِصابًا وليسَ


(١) رواه البخاري (١٣٣١)، ومسلم (١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>