للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو سلَّمْنا أنَّ مُطلَقَ الأمرِ لا يَقتَضي الفَورَ لَاقتَضاه في مَسألتِنا؛ إذ لو جازَ التَّأخيرُ ههنا لأخَّرَّه بمُقتَضى طَبعِه ثِقةً منه بأنَّه لا يَأثمُ بالتَّأخيرِ فيَسقطُ عنه بالمَوتِ أو بتَلفِ مالِه أو بعَجزِه عن الأداءِ، فيَتضرَّرُ الفُقراءُ؛ ولأنَّ ههنا قَرينةً تَقتَضي الفَورَ، وهو أنَّ الزَّكاةَ وجَبَت لِحاجةِ الفُقراءِ، وهي ناجِزةٌ، فيَجِبُ أنْ يَكونَ الواجِبُ ناجِزًا؛ ولأنَّها عِبادةٌ تَتكرَّرُ لم يَجزْ تَأخيرُها إلى وَقتِ وُجوبِ مِثلِها كالصَّلاةِ والصَّومِ.

وهذا كلُّه ما لم يَخشَ ضَررًا في نَفسِه أو مالٍ له سِواها، فله تَأخيرُها لقَولِ النَّبيِّ : «لَا ضَررَ ولَا ضِرارَ» (١)؛ ولأنَّه إذا جازَ تَأخيرُ قَضاءِ دَينِ الآدَميِّ لذلك فتَأخيرُ الزَّكاةِ أَوْلى (٢).

ثم إنَّ الشافِعيةَ والحَنابِلةَ أَجازوا تَأخيرَ الزَّكاةِ عن وقتِ إِخراجِها الواجِبِ لِحاجةٍ داعيةٍ أو مَصلحةٍ مُعتبَرةٍ تَقتَضي ذلك، مِثلَ أنْ يُؤخِّرَها ليَدفعَها إلى فَقيرٍ غائِبٍ هو أشَدُّ حاجةً من غيرِه من الفُقراءِ الحاضِرينَ، ومِثلُ ذلك تَأخيرُها إلى قَريبٍ ذي حاجةٍ لِما له من الحَقِّ المُؤكَّدِ وما فيها من الأجرِ المُضاعَفِ.

وله أنْ يُؤخِّرَها لِعُذرٍ ماليٍّ حَلَّ به فأَحوَجَه إلى مالِ الزَّكاةِ، فلا بأسَ أنْ يُنفِقَه ويَبقى دَينًا في عُنُقِه، وعليه الأداءُ في أولِ فُرصةٍ تَسنَحُ له.

قال شَمسُ الدِّينِ الرَّمليُّ الشافِعيُّ : وله تَأخيرُها لِانتِظارِ أحوَجَ أو أصلَحَ أو قَريبٍ أو جارٍ؛ لأنَّه تَأخيرٌ لِغَرضٍ ظاهِرٍ، وهو حِيازةُ الفَضيلةِ،


(١) حَديثٌ صَحيحٌ: تَقدَّم.
(٢) «المغني» (٣/ ٤٥٧، ٤٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>