للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمَشهورُ عندَ الحَنفيةِ أنَّها تَجبُ وُجوبًا مُوسَّعًا، ولِصاحِبِ المالِ تَأخيرُها ما لم يُطالَبْ؛ لأنَّ الأمرَ بأَدائِها مُطلَقٌ، فلا يَتعيَّنُ الزَّمنُ الأولُ لِأدائِها دونَ غيرِه، كما لا يَتعيَّنُ مَكانٌ دونَ مَكانٍ، هذا ما ذهَبَ إليه أبو بَكرٍ الرازيُّ (الجَصاصُ).

أمَّا الكَرخيُّ من أئمَّةِ الحَنفيةِ فقالَ: هي واجِبةٌ على الفَورِ؛ لأنَّ الأمرَ يَقتَضي الفَوريَّةَ، حتى إنْ كانَ لا يَقتَضي الفَوريَّةَ ولا التَّراخيَ فالوَجهُ المُختارُ كما قالَ المُحقِّقُ ابنُ الهُمامِ أنَّ الأمرَ بالصَّرفِ إلى الفَقيرِ معه قَرينةُ الفَورِ، وهي أنَّه لِدَفعِ حاجَتِه وهي مُعجَّلةٌ، فمتى لم تَجبْ على الفَورِ لم يَحصُلِ المَقصودُ من الإِيجابِ على وَجهِ التَّمامِ (١).

وهذا القَولُ وهو الذي عَليه جُمهورُ الفُقهاءِ مالِكٌ والشافِعيُّ وأحمدُ وغَيرُهم.

واحتجُّوا على ذلك بأنَّ اللهَ تعالَى أمَر بإِيتاءِ الزَّكاةِ كما في قَولِه تَعالى: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ والأمرُ يَقتَضي الفَورَ وذلك كما قالَ ابنُ قُدامةَ : أنَّ الأمرَ يَقتَضي الفَوريةَ على الصَّحيحِ كما في الأُصولِ، ولذلك يَستحِقُّ المُؤخِّرُ للامتِثالِ العِقابَ، ولذلك أخرَجَ اللهُ تعالَى إِبليسَ وسخِطَ عليه ووبَّخَه بامتِناعِه عن السُّجودِ، ولو أنَّ رَجلًا أمرَ عبدَه أنْ يَسقيَه فأخَّرَ ذلك استحَقَّ العُقوبةَ؛ ولأنَّ جَوازَ التَّأخيرِ يُنافِي الوُجوبَ؛ لكَونِ الواجِبِ ما يُعاقَبُ على تَركِه، ولو جازَ التأخيرُ لجازَ إلى غيرِ غايةٍ، فتَنتَفي العُقوبةُ بالتَّركِ.


(١) «فتح القدير» (١/ ٤٨٢، ٤٨٣)، و «رد المحتار» (٢/ ١٣، ١٤)، و «المبسوط» (٢/ ١٦٩)، و «روضة الطالبين» (٢/ ٢٢٣)، و «كشاف القناع» (٢/ ٢٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>