للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ ابنُ عابِدينَ في «حاشيتِه»: قدَّمنا في بابِ مَندوباتِ الوُضوءِ عن الإِمرادِ أنَّ منه ألَّا يَكونَ بماءٍ مُشمَّسٍ وبه صرَّحَ في «الحِلية» مُستدلًّا بما صَحَّ عن عُمرَ من النَّهيِ عنه، ولذا صرَّحَ في الفَتحِ بكَراهتِه، ومِثلُه في البَحرِ.

وقالَ في «مَعارج الدِّرايةِ» وفي «القُنية»: وتُكرهُ الطَّهارةُ بالمُشمَّسِ، لقَولِه لعائِشةَ حين سخَّنَت الماءَ بالشَّمسِ: «لا تَفعَلي يا حُمَيراءُ؛ فإنَّه يُورِثُ البَرَصَ».

وفي الغايةِ: يُكرهُ بالمُشمَّسِ في قُطرٍ حارٍّ في أَوانٍ مُنطبعةٍ (١).

قالَ الإمامُ النَّوويُّ مُعلِّقًا على هذَين الحَديثَينِ:

أمَّا حَديثُ عائِشةَ فضَعيفٌ باتِّفاقِ المُحدِّثينَ، وقد رَواه البَيهَقيُّ من طُرقٍ وبيَّنَ ضَعفَها كلَّها، ومنهم مَنْ يَجعلُه مَوضوعًا، وقد رَواه الشافِعيُّ في «الأُم» بإِسنادِه عن عُمرَ بنِ الخَطابِ، وقالَ: إنَّه يُورثُ البَرصَ، وهذا ضَعيفٌ أيضًا باتِّفاقِ المُحدِّثينَ … فحصَلَ من هذا: أنَّ المُشمَّسَ لا أصلَ لكَراهتِه، ولم يَثبتْ عن الأطِباءِ فيه شَيءٌ، فالصَّوابُ: الجَزمُ بأنَّه لا كَراهةَ فيه … وهو الصَّوابُ المُوافِقُ للدَّليلِ ولنَصِّ الشافِعيِّ؛ فإنَّه قالَ في «الأُم»: لا أكرَهُ المُشمَّسَ إلا أنْ يَكونَ من جِهةِ الطِّبِّ، كذا رأيتُه في «الأُم» (٢). وكذا نقَلَه البَيهَقيُّ بإِسنادِه في كِتابِه «مَعرِفة السُّنَن والآثار» عن الشافِعيِّ (٣).


(١) «حاشية ابن عابدين» (١/ ٣٢٤، ٣٢).
(٢) «الأم» (١/ ٣).
(٣) «المجموع» (٢/ ٢٧، ٢٩)، و «روضة الطالبين» (١/ ١٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>