للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاغتِسالَ بالماءِ المُشمَّسِ، وقالَ: يُورثُ البَرَصَ» لكنْ بشَرطِ أنْ يَكونَ ببِلادٍ حارةٍ، أي: تَقلِبُه الشَّمسُ عن حالتِه إلى حالةٍ أُخرى، كما نقَلَه في البَحرِ عن الأَصحابِ في آنيةٍ مُنطبِعةٍ غيرِ النَّقدَينِ، وهي كلُّ ما طُرقَ كالنُّحاسِ ونَحوِه، وأنْ يُستعملَ في حالِ حَرارتِه؛ لأنَّ الشَّمسَ بحِدَّتِها تَفصلُ منه زُهومةً تَعلو الماءَ، فإذا لاقَتِ البَدنَ بسُخونتِها خِيفَ أنْ تَقبضَ عليه فيَحتبسَ الدَّمُ فيَحصلَ البَرصُ (١).

وقالَ الدَّرديرُ: يُكرهُ الماءُ المُشمَّسُ، أي: المُسخَّنُ، أي: بالشَّمسِ في الأَقطارِ الحارةِ، كأرضِ الحِجازِ، لا في نَحوِ مِصرَ والرُّومِ، وقيَّدَ بَعضُهم الكَراهةَ أيضًا بالمُشمَّسِ في الأَواني والنُّحاسِ ونَحوِها لا الفَخَّارِ، وقيلَ: لا يُكرهُ مُطلقًا (٢).

وعقَّبَ الإمامُ الدُّسوقيُّ على قَولِ الدَّرديرِ في «الشَّرح الكَبير»: والمُعتمَدُ الكَراهةُ بقَولِه: وهو ما نقَلَه ابنُ الفُراتِ عن مالِكٍ، واقتصَرَ عليه جَماعةٌ من أهلِ المَذهبِ، لكنَّ هذه الكَراهةَ طِبِّيةٌ لا شَرعيةٌ؛ لأنَّ حَرارةَ الشَّمسِ لا تَمنعُ من إِكمالِ الوُضوءِ أو الغُسلِ، بخِلافِ ما لو كانَت كَراهتُه لشِدةِ حَرارتِه؛ فإنَّها شَرعيةٌ، والفَرقُ بينَ الكَراهتَين أنَّ الشَّرعيةَ يُثابُ تارِكُها بخِلافِ الطِّبيةِ (٣).


(١) «مغني المحتاج» (١/ ٧٩، ٨٠)، و «كفاية الأخيار» ص (٥٣).
(٢) الشرح الصغير بهامش «بلغة السالك» (١/ ٢٨).
(٣) «حاشية الدسوقي» (١/ ٧٣، ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>