أولًا: أنَّ الأصلَ بَراءةُ الذِّممِ من التَّكاليفِ ما لم يَردْ بها دَليلٌ شَرعيٌّ صَحيحٌ، ولم يُوجَدْ هذا الدَّليلُ في زَكاةِ الحُلِيِّ، لا من نَصٍّ ولا من قِياسٍ على المَنصوصِ.
ثانيًا: أنَّ الزَّكاةَ إنَّما تَجبُ في المالِ النامِي أو المُعدِّ لِلنَّماءِ، والحُلِيُّ ليسَت منهما؛ لأنَّها خَرجتْ عن النَّماءِ بصِناعتِها حُلِيًّا تُلبَسُ وتُستعمَلُ ويُنتفَعُ بها، فلا زَكاةَ فيها، كما في العَواملِ من الإبلِ والبَقرِ فقد خرَجَت باستِعمالِها في السَّقيِ والحَرثِ عن النَّماءِ، وسقَطَت عنها الزَّكاةُ.
وقالَ القاضِي عبدُ الوهَّابِ المالِكيُّ ﵀: إنَّ المُعتبَرَ في وُجوبِ الزَّكاةِ النَّماءُ دونَ غيرِه، فالزَّكاةُ تابِعةٌ له؛ لأنَّها تَجبُ بوُجودِه وتَسقُطُ بعَدمِه، يبيِّن ذلك أنَّ الزَّكاةَ على ضَربَينِ: منها ما تَجبُ الزَّكاةُ في عَينِه، ومنها ما لا تَجبُ الزَّكاةُ في عَينِه كالعُروضِ، ثم قد ثبَتَ أنَّ ما لا تَجبُ في عَينِه الزَّكاةُ إذا قُصدَ به الثَّمنُ وطُلبَ الفَضلُ وجَبَت الزَّكاةُ فيه، فوجَبَ أنْ تَكونَ ما في عَينِه الزَّكاةُ، إذا عُدلَ به عن طَلبِ النَّماءِ يُؤثِّرُ ذلك في سُقوطِ الزَّكاةِ عنه، ولا تَحتاجُ أنْ تَقولَ على وَجهٍ مُباحٍ؛ لأنَّ التأثيرَ إذا ثبَتَ لم يَبقَ إلا ما نَقولُه، وهذا يُمكنُ أنْ يُستدَلَّ به على أنَّه من قياسِ العَكسِ، ويُمكِنُ أنْ يَكونَ استِدلالًا مُبتَدأً (١).