٢ - لأنَّ الزَّكاةَ تَجبُ على طَريقِ المُواساةِ وليسَ من المُواساةِ أنْ يُخرِجَ زَكاةَ مالٍ لا يُنتفَعُ به، وأمَّا الوَديعةُ فهي بمَنزلةِ ما في يَدِه؛ لأنَّ المُستودَعَ نائِبٌ عنه في حِفظِه ويَدَه كيَدِه.
قال الحَنفيةُ: إذا كانَ له دَينٌ على مُقرٍّ به فالزَّكاةُ واجِبةٌ فيه، ولا يَلزمُه إِخراجُها حتى يَقبِضَه.
أمَّا الدَّليلُ على وُجوبِ الزَّكاةِ فأنَّه في ذِمةِ غيرِه بفِعلِه كما لو جعَلَه في يَدِ غيرِه بالوَديعةِ، فإذا وجَبَت الزَّكاةُ فكذلك الدَّينُ؛ ولأنَّه مِلكٌ له يَجوزُ تَصرُّفه فيه بالتَّمليكِ والبَراءةِ كالعَينِ.
والدَّليلُ على أنَّه لا يَلزَمُه تَعجيلُ الأداءِ قبلَ القَبضِ: أنَّ الدَّينَ أنقَصَ العَينَ، بدِلالةِ أنَّه لو أَخرجَ زَكاةَ الدَّينِ عن العَينِ لا يَجوزُ؛ ولأنَّ الدَّينَ يَجوزُ تَصرُّفُه فيه مع مَنْ هو في ذِمتِه خاصَّةً، والعَينُ يَجوزُ تَصرُّفُه فيها من كلِّ وَجهٍ، وإذا كانَ ناقِصًا والزَّكاةُ تَجبُ فيه، بدِلالةِ أنَّه لو برِئَ سقَطَت، فإذا ألزَمْناه التَّعجيلَ ألزَمْناه الكامِلَ عن الناقِصِ، وهذا لا يَجبُ كما لا يَجبُ أنْ يُخرِجَ البِيضَ عن السُّودِ؛ ولأنَّه دَينٌ في الذِّمةِ لا يَجبُ تَعجيلُ زَكاتِه كالمُؤجَّلِ، وكما لو كانَ على مُعسِرٍ (١).
(١) «التجريد» للقدروري (٣/ ١٣٣٥، ١٣٣٧)، و «مختصر اختلاف العلماء» (١/ ٤٣٤)، و «شرح مختصر الطحاوي» للجصاص (٢/ ٣٤٤)، و «تحفة الفُقهاء» (١/ ٢٩٣، ٢٩٤)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ٩، ١١) قال الكاسانِيُّ: جُملةُ الكَلامِ في الدُّيونِ أنَّها على ثَلاثِ مَراتِبَ في قَولِ أبي حَنيفةَ دَينٌ قَويٌّ ودَينٌ ضَعيفٌ ودَينٌ وَسطٌ، كذا قال عامَّةُ مشايِخِنا.