للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عبَّادٍ: «كان أَصحابُ النَّبيِّ يَكرَهونَ رَفعَ الصَّوتِ عندَ ثَلاثةٍ: عندَ القِتالِ، وعندَ الجَنائِزِ، وعندَ الذِّكرِ» (١)، قيلَ: إنَّ هذه الكَراهةَ تَحريميَّةٌ، وقيلَ: تَركُ الأَوْلى ولا يُغتَرَّ أحَدٌ بكَثرةِ مَنْ يَفعَلُ ذلك.

قال الإمامُ النَّوويُّ : «واعلَمْ أنَّ الصَّوابَ والمُختارَ وما كانَ عليه السَّلفُ السُّكوتُ في حالِ السَّيرِ مع الجنازةِ، فلا يُرفَعُ صَوتٌ بقِراءةٍ ولا بذِكرٍ ولا غيرِ ذلك، والحِكمةُ فيه ظاهِرةٌ، وهي أنَّه أسكَنُ لِخاطِرِه وأجمَعُ لِفِكرِه فيما يَتعلَّقُ بالجنازةِ، وهو المَطلوبُ في هذه الحالِ، فهذا هو الحَقُّ، ولا تَغتَرَّ بكَثرةِ مَنْ يُخالِفُه، فقد قالَ أبو عليٍّ الفُضيلُ بنُ عياضٍ ما مَعناه: «الزَمْ طَريقَ الهُدى ولا يَضُرَّكَ قِلَّةُ السالِكينَ، وإياكَ وطُرقَ الضَّلالةِ ولا تَغتَرَّ بكَثرةِ الهالِكينَ»، وقد رَوَينا في «سُنَن البَيهَقيِّ» ما يَقتَضي ما قُلتُه (يُشيرُ إلى قَولِ قَيسِ بنِ عبَّادٍ).

وأمَّا ما يَفعَلُه الجَهلةُ مِنْ القِراءةِ على الجنازةِ بدِمَشقَ وغيرِها مِنْ القِراءةِ بالتَّمطيطِ وإخراجِ الكَلامِ عن مَواضعِه فحَرامٌ بإِجماعِ العُلماءِ، وقد أوضَحتُ قُبحَه وغِلظَ تَحريمِه وفِسقَ مَنْ يُمكَّنُ مِنْ إنكارِه فلَم يُنكِرْه في كِتابِ «آداب القِراءةِ» واللهُ المُستَعانُ (٢).


(١) رواه البيهقي (٤/ ٧٤)، وابن المنذر (٠/ ٣٨٩)، وابن المبارك في «الزهد» (٨٣)، وأبو نعيم (٩/ ٥٨) قال الألباني في «أحكام الجنائز» (٩٢): رجالُه ثقاتٌ.
(٢) «الأذكار» (٢٠٣)، و «المجموع» (٦/ ٤٤٦)، و «بدائع الصنائع» (٢/ ٣٣٦)، وانظر: «غاية المنتهى» (١/ ٢٤٧)، و «الهندية» (١/ ١٦٢)، و «البحر الرائق» (٢/ ١٩٢)، و «المغني» (٣/ ٢٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>