للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأيضًا فإنَّ اللهَ تَعالى لو عيَّنَ حُكمًا من بعضِ ما اختُلفَ فيه ونصَبَ عليه دَليلًا وجعَلَ إليه طَريقًا وكلَّفَ أهلَ العِلمِ إصابَتَه لوجَبَ أنْ يَكونَ المُصيبُ عالِمًا به قاطِعًا بخَطأِ مَنْ خالَفَه، ويَكونَ المُخالِفُ آثِمًا فاسِقًا، ووجَبَ نَقضُ حُكمِه إذا حكَمَ به، ويَكونَ بمَنزلةِ مَنْ خالَفَ دَليلَ مَسائلِ الأُصولِ من الرُّؤيةِ والصِّفاتِ والقَدرِ وما أشبَهَ ذلك، وبمَنزلةِ مَنْ خالَفَ النَّصَّ، ولمَّا اجتَمَعنا على أنَّ المُخالفَ لا يَقطعُ على خَطئِه ولا إثمَ عليه فيه، ولا يَنقضُ حُكمَه إذا حكَمَ به دَلَّ ذلك على أنَّ كلَّ مُجتهدٍ مُصيبٌ.

ولأنَّ العامِّيَّ إذا نزَلَت به نازِلةٌ كانَ له أنْ يَسألَ عنها مَنْ شاءَ من العُلماءِ وإنْ كانوا مُختلِفينَ، فدَلَّ على أنَّ جَميعَهم على الصَّوابِ.

واحتَجَّ من قالَ بأنَّ الحَقَّ في واحِدٍ وإليه يُذهبُ بقَولِ اللهِ : ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ [الأنبياء: ٧٨، ٧٩]. فأخبَرَ أنَّ سُليمانَ هو المُصيبُ وحمِدَه على إِصابتِه، وأثْنى على داودَ في اجتِهادِه ولم يَذُمَّه على خَطئِه، وهذا نَصٌّ في إِبطالِ قَولِ مَنْ قالَ إذا أخطَأَ المُجتهدُ يَجبُ أنْ يَكونَ مَذمومًا.

ويَدلُّ عليه أيضًا قَولُ النَّبيِّ المَشهورُ: «إذا اجتهَدَ الحاكِمُ فأصابَ فله أَجرانِ اثنانِ وإذا اجتهَدَ فأخطَأَ فله أجرٌ واحِدٌ» وقد سُقنا هذا الحَديثَ بإِسنادِه فيما تَقدَّمَ وفيه دَليلٌ على أنَّ المُجتهدَ بينَ الإِصابةِ والخَطأِ.

وأخبَرَنا أَبو نُعيمٍ الحافِظُ، نا عبدُ اللهِ بنُ جَعفرِ بنِ أَحمدَ بنِ فارِسٍ، نا يُونسُ بنُ حَبيبٍ، نا أَبو داودَ نا الصَّعقُ بنُ حَزنٍ عن عَقيلٍ الجَعديِّ عن أَبي

<<  <  ج: ص:  >  >>