للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اختلَفوا فيه، فقالَ أبو حَنيفةَ وأحمدُ: المُستحَبُّ أنْ يَكونَ في كلِّ المياهِ شَيءٌ مِنْ السِّدرِ؛ للحَديثَينِ السابِقَينِ، ولأنَّ المَطلوبَ مِنْ تَغسيلِه المُبالَغةُ في التَّنظيفِ.

وقالَ مالِكٌ والشافِعيُّ: لا يَكونُ إلا في واحِدةٍ منها، وتَكونُ الأُولى، ولا يُعتَدُّ بها في عَددِ الغَسلاتِ؛ لتَغيُّرِ الماءِ بالسِّدرِ فسلَبَ طَهورِيَّتَه.

والأفضلُ أنْ يَبدأَ الغاسِلُ في تَغسيلِ الميِّتِ بأنْ يُزيلَ عنه النَّجاسةَ، ويَستنَجيَه عندَ أَبي حَنيفةَ ومُحمدٍ، وأمَّا إِزالةُ النَّجاسةِ وإِنقاؤُها فأبو حَنيفةَ ومُحمدٌ يَقولانِ به، بلا إِجلاسٍ وعَصرٍ في أوَّلِ الغُسلِ، وعندَ المالِكيةِ يُندَبُ عَصرُ البَطنِ حالةَ الغُسلِ، وعندَ الشافِعيةِ والحَنابِلةِ يَكونُ إِجلاسُ الميِّتِ وعَصرُ بَطنِه في أوَّلِ الغُسلِ؛ لِما رَوى القاسِمُ بنُ مُحمدٍ قالَ: «تُوفِّي عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ فغسَّلَه ابنُ عُمرَ فنفَضَه نَفضًا شَديدًا، وعصَرَه عَصرًا شَديدًا، ثم غسَّلَه» (١)، ولأنَّه ربَّما كانَ في جَوفِه شَيءٌ، فإذا لَم يَعصِرْه قبلَ الغَسلِ خرَجَ بعدَه، وربَّما خرَجَ بعدَما كُفِّنَ فيَفسُدُ الكفَنُ.

ثم يُوضِّئُه وُضوءَه للصَّلاةِ، ولا يُدخلُ الماءَ في فِيهِ ولا أنفِه؛ لأنَّ إِدخالَ الماءِ فاه وأنفَه لا يُؤمنُ معه وُصولُه إلى جَوفِه، فيُفضي إلى المُثلَةِ به، ولا يُؤمَنُ خُروجُه في أَكفانِه، وإنْ كانَ فيهما أذًى أزالَه بخِرقةٍ يَبلُّها ويَجعَلُها على إصبَعِه، فيَمسَحُ أسنانَه وأنفَه حتى يُنظِّفَهما، وإلى هذا ذهَبَ الحَنفيةُ


(١) ذكره الشيرازي في «المهذب» (١/ ١٢٨)، ولَم أعثُر على مَنْ خرَّجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>