للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ: تُوفِّيَّ صاحِبٌ لنا فأتَيْنا النَّبيَّ لِيُصلِّيَ عليه فخَطا خُطوةً، ثم قالَ: «أَعلَيه دَينٌ؟» قُلنا: دِينارَانِ، فانصَرَفَ، فتَحمَّلَهما أبو قَتادَةَ، فأَتَيْناه، فقالَ أبو قَتادَةَ: الدِّينارانِ علَيَّ، فقالَ رَسولُ اللَّهِ : «حَقُّ الْغَريمِ، وبرِئَ مِنهما الْمَيِّتُ؟» قالَ: نَعم، فصلَّى عليه، ثُم قالَ بعدَ ذلك بِيومٍ: «ما فعَلَ الدِّينارانِ؟» فقالَ: إنَّما ماتَ أَمسِ، قالَ: فعادَ إليه مِنْ الغَدِ، فقالَ: قد قضَيْتُهما، فقالَ رَسولُ اللَّهِ : «الآنَ برَدَتْ عليه جِلْدُه» (١).

قالوا: هذا صَريحٌ في بَراءةِ المَضمونِ عنه؛ لقَولِه: «وبرِئَ مِنهما الميِّتُ»، ولأنَّه دَينٌ واحِدٌ فإذا صارَ في ذِمةٍ أُخرى برِئَت الأُولى منه كالمُحالِ به؛ وذلك لأنَّ الدَّينَ الواحِدَ لا يَحلُّ في مَحلَّيْن (٢).

والحِكمةُ في امتِناعه مِنْ الصَّلاةِ عليه شَغلُ ذِمتِه ببَقاءِ الحَقِّ، فلو لَم يَتحمَّلْ أبو قَتادةَ عنه البَراءةَ لَم تَظهَرِ الحِكمةُ في امتِناعِه مِنْ الصَّلاةِ عليه؛ لأنَّ الحَقَّ باقٍ في ذِمتِه قبلَ التَّحمُّلِ. وفي الحَديثِ تَصريحٌ ببَراءةِ ذِمةِ الميِّتِ (٣).

لكنْ قد يُجابُ عن قَولِهم بأنَّه دَينٌ واحِدٌ، فإذا صارَ في ذِمةٍ أُخرى برِئَت الأُولى منه كالمُحالِ به بما قالَه ابنُ قُدامةَ حيثُ قالَ: ويُفارِقُ الضَّمانُ الحَوالةَ؛ فإنَّ الضَّمانَ مُشتقٌّ مِنْ الضَّمِّ، فيَقتَضي الضَّمَّ بينَ الذِّمتَينِ في تَعلُّقِ


(١) حَديثٌ حَسنٌ: كما سبق.
(٢) «المغني» (٦/ ٣٢٨).
(٣) «نهاية المحتاج» (١٥/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>