للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ تَعلُّقِ الحقِّ بهما وثُبوتِه فيهما، والحَوالةُ مِنْ التَّحوُّلِ، فتَقتَضي تَحوُّلَ الحَقِّ مِنْ مَحلِّه إلى ذِمةِ المُحالِ عليه (١).

أمَّا قَولُه : «نَفسُ المُؤمنِ مُعلَّقةٌ بِدَينِه حتى يُقضَى عنه»، فإنْ قيلَ: ما الحِكمةُ في حَبسِ رُوحِه؛ إذا لَم يُخلِّفْ وَفاءً مع أنَّه في حُكمِ المُعسِرِ، والمُعسِرُ لا يُحبَسُ في الدُّنيا، ولا يُلازَمُ؛ لأنَّا نَقولُ: أمرُ الآخِرةِ يُغايِرُ أمرَ الدُّنيا؛ فإنَّ حَبسَ المُعسِرِ في الدُّنيا لا فائدةَ فيه؛ لأنَّه لا يُتوقَّعُ منه وَفاءٌ ما دامَ مَحبوسًا، ويُظَنُّ منه الوَفاءُ إذا لَم يُحبَسْ؛ لأنَّه قد يَكتسِبُ ما يَستعينُ به على وَفاءِ الدَّينِ، وأمَّا الآخِرةُ فالحَبسُ فيها مُجازاةٌ له على بَقاءِ الحَقِّ في ذِمتِه حِفظًا لحَقِّ صاحِبِ الدَّينِ، ويُستَوفى منه بأخْذِ الحَسَناتِ ورَدِّ السَّيئاتِ فأشبَه مَنْ له مالٌ في الدُّنيا، فيُنتَظَرُ بحَبسِه حُضورُ ما له وما عليه، فهو مَعقولُ المَعنى (٢).

وقيلَ: إنَّما يُحبَسُ المِديانُ عن الجَنةِ بعَدمِ الوَفاءِ إذا ماتَ قادرًا على وَفائِه، وأمَّا لو ماتَ عاجِزًا عن وَفائِه، فإنْ تَدايَنَ لسَرفٍ أو غيرِه مما لا يَجوزُ فإنَّه يُحبَسُ عن الجَنةِ لعَدمِ وُجوبِ قَضائِه على الُّسلطانِ (٣).

وهذا كلُّه مَحمولٌ على مَنْ ترَكَ مالًا يَقضي منه دَينَه، أمَّا مَنْ لا مالَ له يَقضي منه فيُرجَى ألَّا يَتناوَلَه هذا الحَديثُ؛ لقَولِ اللهِ :


(١) «المغني» (٦/ ٣٢٨).
(٢) «نهاية المحتاج» (١٥/ ٩٦).
(٣) «الفواكه الدواني على رسالة بن أبي زيد القيرواني» (٧/ ٣٧٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>