للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنَّه جعَلَ مُعظمَها ظَنيًّا مُحتمِلًا للمَعاني والأَقوالِ المُتعدِّدةِ، لمَا اقتَضَته طَبيعةُ الحَياةِ العَمليةِ من خِلافٍ وسَعةٍ في الجُزئياتِ (١).

ويَقولُ الإِمامُ ابنُ تَيميةَ في الفَتاوى: واتَّفَق الصَّحابةُ في مَسائلَ تَنازَعوا فيها على إِقرارِ كلِّ فَريقٍ للفَريقِ الآخَرِ، على العَملِ باجتِهادِهم، كمَسائلَ في العِباداتِ والمَناكحِ والمَواريثِ والعَطاءِ والسِّياسةِ وغيرِ ذلك. ثم قالَ: وهذه المَسائلُ منها أحدُ القَولَينِ خَطأٌ، ومنها المُصيبُ في الأمرِ نَفسِه.

واحدٌ عندَ الجُمهورِ أَتباعِ السَّلفِ، والآخَرُ مُؤدٍّ لمَا وجَبَ عليه بحُسنِ قُوةِ إِدراكِه، ومن الناسِ مَنْ يَجعلُ الجَميعَ مُصيبِينَ، ومَذهبُ أهلِ السُّنةِ والجَماعةِ أنَّه لا إثمَ على من اجتَهدَ، وإنْ أخطَأَ (٢).

يَتبيَّنُ أنَّ مَيدانَ الاختِلافِ العِلميِّ بينَ العُلماءِ هو الأدِلةُ الظَّنيةُ، إذْ أخَذَ كلٌّ منهم بما ارتَضاه ووصَلَ إليه اجتِهادُه، مع احتِرامِهم لأَداءِ الآخَرينَ ولو كانوا مُخطِئينَ في اجتِهادِهم، وقالَ سُفيانُ الثَّوريُّ : ما اختَلفَ فيه الفُقهاءُ فلا أنهَى أحدًا من إِخواني أنْ يأخُذَ به (٣).

ويَقولُ الدُّكتورُ البيانونِيُّ: ذلك لأنَّ مِحورَ الخِلافِ قائِمٌ على طَبيعةِ دَليلِ المَسألةِ العِلميةِ، من قَطعيةٍ أو ظَنيةٍ، فما كانَ دَليلُها قَطعيًّا ثُبوتًا ودِلالةً،


(١) انظُرْ: «البحر المحيط» (٤/ ٤٠٦) للزركشي، و «إرشاد الفحول» (١/ ٤٥٥) للشوكانِيِّ.
(٢) «مجموع الفتاوى» (١٩/ ١٢٢، ١٢٣).
(٣) «الفقيه والمتفقه» (٢/ ١٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>