للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ رُشدٍ المالِكيُّ : وسَببُ اختِلافِهم اختِلافُ الآثارِ المَنقُولةِ في ذلك عن الصَّحابةِ؛ فذهَبَ مالِكٌ (وأحمدُ) إلى ما رَواهُ نافِعٌ مَولى عبد اللهِ بنِ عمرَ أنَّه قالَ: «شَهِدتُ الأضحَى والفِطرَ مع أَبي هُريرةَ، فكبَّرَ في الأُولى سَبعَ تَكبيراتٍ قبلَ القِراءةِ، وفي الآخِرةِ خَمسًا قبلَ القِراءةِ» (١)، ولأنَّ العملَ عندَه بالمَدينةِ كانَ على هذا، وبهذا الأثَرِ بعَينِه أخَذَ الشافِعيُّ، إلَّا أنَّه تَأوَّلَ في السَّبعِ أنَّه ليسَ فيها تَكبيرةُ الإِحرامِ، كما ليسَ في الخَمسِ تَكبيرةُ القيامِ، ويُشبِهُ أن يَكونَ مالِكٌ إنَّما أصارَه أن يُعيدَ تَكبيرةَ الإِحرامِ في السَّبعِ، ويُعيدَ تَكبيرةَ القِيامِ زائِدًا على الخَمسِ المَرويَّةِ أنَّ العملَ أَلفاه على ذلك، فكَأنَّه عندَه وَجهٌ مِنْ الجَمعِ بينَ الأثَرِ والعملِ، وقد خرَّجَ أبو داودَ مَعنى حَديثِ أَبي هُريرةَ مَرفوعًا عن عائشةَ وعن عَمرِو بنِ العاصِ.

ورُويَ أنَّه سُئلَ أبو مُوسَى الأشعريُّ وحُذَيفةُ بنُ اليَمانِ: كيف كانَ رَسولُ اللهِ يُكبِّرُ في الأضحَى والفِطرِ؟ فقالَ أبو مُوسى: كانَ يُكبِّرُ أربَعًا تَكبيرَه على الجَنائزِ، فقالَ حُذَيفةُ: صَدق، فقالَ أبو مُوسى: «كَذلك كُنْتُ أُكبِّرُ في البَصرَةِ حينَ كُنْتُ عليهم» (٢). وقالَ قَومٌ بهذا.

وأمَّا أبو حَنيفةَ وسائِرُ الكُوفيِّينَ فإنَّهمُ اعتَمَدوا في ذلك على ابنِ مَسعودٍ، وذلك أنَّه ثبَتَ عنه أنَّه كانَ يُعلِّمُهم صَلاةَ العِيدَينِ على الصِّفةِ المُتقدِّمةِ (٣)،


(١) إسناده صَحيحٌ: رواه مالك في «الموطأ» (١٣٦).
(٢) حَديثٌ صَحيحٌ: رواه أبو داود (١١٥٣).
(٣) رواه عبد الرزاق (٥٦٨٦) عن الثَّوريِّ عن أبي إسحاقَ عن عَلقَمةَ والأسودِ بنِ يَزيدَ: أنَّ ابنَ مَسعودٍ كان يُكبِّرُ في العِيدَينِ تِسعًا، أربعًا قبلَ القِراءة ثم كبَّرَ فركعَ، وفي الثانيةِ يَقرَأُ فإذا فرغَ كبَّرَ أربَعًا ثم ركعَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>