ورُويَ عن الإِمامِ أَحمدَ قَولُه:«هذا كِتابُ اللهِ وهذه سُنةُ رَسولِ اللهِ ﷺ ولا مَقالَ لأحدٍ بعدَ اللهِ ورَسولِه».
وجاءَ في كِتابِ «حُجة اللهِ البالِغة» للدَّهلَويِّ نَقلًا عن الإِمامِ السُّيوطيِّ: أنَّ الخَليفةَ المَنصورَ لمَّا حَجَّ والتَقى مع الإِمامِ مالِكٍ قالَ له: عزَمتُ أنْ آمُرَ بكُتبِك هذه التي صنَّفتَها فتُنسَخَ ثم أبعَثَ في كلِّ مَصرٍ من أَمصارِ المُسلِمينَ منها نُسخةً، وآمُرَهم بأنْ يَعمَلوا بما فيها ولا يَتعدَّوْه إلى غيرِه، فقالَ مالِكٌ: يا أَميرَ المُؤمنينَ لا تَفعَلْ هذا، فإنَّ الناسَ قد سبَقَت إليهم أَقاويلُ وسمِعوا الحَديثَ ورَوَوْا رِواياتٍ فأخَذَ كلُّ قَومٍ بما سبَقَ إليهم من اختِلافِ الناسِ، فدَعِ الناسَ وما اختارَ كلُّ بَلدٍ منهم لأنفُسِهم.
وقيلَ: إنَّ الذي فعَلَ ذلك مع الإمامِ مالِكٍ هو هارونُ الرَّشيدُ، وشاوَرَ مالِكًا في أنْ يُعلِّقَ كِتابَ المُوطَّأِ في الكَعبةِ ويَحملَ الناسَ على العَملِ بما فيه، فرفَضَ مالِكٌ ذلك، ورُبَّما يَكونُ هذا الأمرُ قد حدَثَ مَرتَينِ: مَرةً من الخَليفةِ المَنصورِ ومَرةً أُخرى من الخَليفةِ هارونَ الرَّشيدِ (١).
وأيًّا كانَ الذي فعَلَ ذلك وطلَبَه من الإمامِ مالِكٍ فهو يَدلُّ على تَواضُعِ مالِكٍ وعَدمِ تَعصُّبِه لآرائِه وتَقديرِه لآراءِ غيرِه من الفُقهاءِ حتى إنِ اختَلفَ مع آرائِه.
(١) «حجة الله البالغة» (١/ ٣٠٧)، ونقَلَ ذلك أيضًا ابنُ عبدِ البَرِّ في «جامع بيان العلم وفضله» (١/ ١٣٢)، والذهبيُّ في «السير» (٨/ ٧٨).