ذلك يُتمَسكُّ بالأصلِ؛ فإنَّ هذا أصلٌ كَثيرٌ في الفِقهِ، أنَّ اليَقينَ لا يُزالُ بالشكِّ؛ كمَن تَيقَّنَ الطَّهارةَ وشكَّ في الحَدثِ أو عَكسِ ذلك.
فأما وَجهُ القولِ الآخرِ أنَّ سَببَ استِحقاقِ كلِّ واحدٍ منهما مِيراثَ صاحبِه غيرُ مَعلومٍ يَقينًا، والاستِحقاقُ يَنبَني على السَّببِ، فما لَم يَتيَقنِ السَّببَ لا يَثبُتُ الاستِحقاقُ؛ لأنَّ في الفِقهِ أَصلٌ كَثيرٌ، أنَّ الاستِحقاقَ بالشكِّ لا يَثبُتُ، وبيانُه أنَّ سَببَ الاستِحقاقِ بَقاؤُه حيًّا بعدَ مَوتِ مُورِّثِه، ولا يُعلمُ هذا يَقينًا وإنَّما نَعرفُه بطَريقِ الظاهرِ واستِصحابِ الحالِ؛ لأنَّ ما عُرفَ ثُبوتُه فالظاهرُ بَقاؤُه، ولكنَّ هذا البَقاءَ لانعِدامِ دَليلِ المُزيلِ لا لوُجودِ المُبقِي؛ فإنَّما يُعتبَرُ في بَقاءِ ما كانَ على ما كانَ لا في استِحقاقِ ما لَم يَكنْ، كحَياةِ المَفقودِ يُجعَلُ ثابتًا في نَفيِ التَّوريثِ عنه، ولا يُجعلُ ثابتًا في استِحقاقِ المِيراثِ عن مُورِّثِه، وبهذا الطَّريقِ لا يَرثُ كلُّ واحدٍ منهما من صاحبِه ما يَرثُه عنه فكذلك سائرُ الأَموالِ، وهذا لأنَّ الإِرثَ يَثبُتُ بِسببٍ لا يَحتَملُ التَّحرِّي، فإذا تَعذَّرَ إِثباتُه في البعضِ يَتعذَّرُ إِثباتُه في الكلِّ، ولا وَجهَ لاعتِبارِ الأَحوالِ هنا؛ لأنَّ ذلك إنَّما يَكونُ عندَ التَّيقنِ بسَببِ الاستِحقاقِ وسَببِ الحِرمانِ والتَّرددِ فيما بينَ الأَشخاصِ كطَلاقِ المُتهَّمِ في إِحدَى نِسائِه إذا لَم يَدخُلْ بهنَّ؛ فإنَّ سَببَ الإِرثِ لبعضِهنَّ مَعلومٌ وهو النِّكاحُ، وسَببَ الحِرمانِ لبعضِهنَّ مَعلومٌ وهو عَدمُ النِّكاحِ، فتُعتبَرُ الأَحوالُ للتَّرددِّ بينَهنَّ بعدَ التَّيقنِ بأصلِ السَّببِ ولا تَيقُّنَ هنا بسَببِ الاستِحقاقِ، فلا مَعنى لاعتِبارِ الأَحوالِ، يُوضِّحُه أن المَقضيَّ له والمَقضيَّ عليه هنا مَجهولٌ، واعتِبارُ الأَحوالِ إنَّما