للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو رافِعٌ يَديهِ، ثم أَقبَلَ على النَّاسِ، ونزَلَ فَصلَّى رَكعَتينِ، فأنشَأَ اللهُ سَحابَةً فرَعدت وبرَقَت، ثم أَمطَرَت بإِذنِ اللَّهِ، فلم يَأتِ مَسجدَه حتى سالَتِ السُّيولُ، فلمَّا رَأى سُرعتَهم إلى الكِنِّ (١) ضحِكَ حتى بدَت نَواجذُه، فقالَ: «أَشهَدُ أنَّ اللهَ على كلِّ شَيءٍ قَديرٌ وأنِّي عبدُ اللهِ ورَسولُه» (٢).

وذهَبَ الإمامُ أبو حَنيفةَ إلى أنَّه لا تُسنُّ الصَّلاةُ، بل يَخرجُ الإمامُ ويَدعُو، فإن صلَّى الناسُ وُحدانًا جازَ.

وحُجةُ أَبي حَنيفةَ في هذا قولُ اللهِ تَعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: ١٠ - ١٢] والمُرادُ منه الاستِغفارُ بالاستِسقاءِ، بدَليلِ قولِه: ﴿يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا﴾، أمَرَ بالاستِغفارِ في الاستِسقاءِ.

كما استُدلَّ له بحَديثِ أنَسٍ : أنَّ رَجلًا دخَلَ المَسجدَ يومَ جمُعةٍ مِنْ بابٍ كانَ نحوَ دارِ القَضاءِ، ورَسولُ اللهِ قائِمٌ يَخطُبُ، فَاستَقبلَ رَسولَ اللهِ قائِمًا، ثم قالَ: يا رَسولَ اللهِ، هلَكَت الأَموالُ وانقَطعَت السُّبلُ؛ فَادعُ اللهَ يُغِثنا. فَرفعَ رَسولُ اللهِ يَديهِ، ثم قالَ: «اللَّهمَّ أَغِثنَا، اللَّهمَّ أَغِثنَا، اللَّهمَّ أَغِثنَا». قالَ


(١) الكِنُّ: ما يرُدُّ الحَرَّ والبردَ من الأَبنيةِ والمَساكنِ وقد كَننتُه أَكُنُّه كَنًّا. وفي الحَديثِ: على ما استَكَنَّ أَي استَتر. والكِنُّ: كلُّ شيءٍ وَقى شيئًا فهو كِنُّه، وكِنانُه، والفعلُ من ذلك كَننتُ الشيء، أَي: جعَلَته في كِن. وكَنَّ الشيءَ يَكنُّه كَنًّا وكُنونًا وأَكَنَّه وكنَّنه: ستره. يُنظر: «لسان العرب» مادة (كنن).
(٢) حَديثٌ حَسنٌ: رواه أبو داود (١١٧٣)، وابن حبَّان في «صحيحه» (٣/ ٢٧١).

<<  <  ج: ص:  >  >>