للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القَولُ الثاني: أنَّه يَرثُه وَرثتُه من المُسلِمينَ، وهو قَولُ الحَنفيةِ وأَحمدَ في رِوايةٍ، وهو قَولُ ابنِ المُسيِّبِ وجابِرِ بنِ زَيدٍ والحَسنِ وعُمرَ بنِ عبدِ العَزيزِ وعَطاءٍ والشَّعبيِّ والحَكمِ والأَوزاعيِّ والثَّوريِّ وابنِ شُبرُمةَ وإِسحاقَ ورُويَ ذلك عن أَبي بَكرٍ الصِّديقِ وعلِيٍّ وابنِ مَسعودٍ .

قالَ الإِمامُ السَّرخَسيُّ : وحُجَّتُنا في ذلك ظاهِرُ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ [النساء: ١٧٦] والمُرتدُّ هالِكٌ؛ لأنَّه ارتكَبَ جَريمةً استحَقَّ بها نَفسَه، فيَكونُ هالِكًا، ولمَّا ماتَ عبدُ اللهِ بنُ أُبيٍّ، ابنُ سَلولَ جعَلَ رَسولُ اللهِ مالَه لوَرثتِه المُسلِمينَ، وهو كانَ مُرتدًّا، وإنْ كانَ مُنافِقًا، فقد شهِدَ اللهُ بكُفرِه بعدَ الإِيمانِ، وفيه نزَلَ قَولُه تَعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا﴾ [النساء: ١٣٧] وإنَّ عليًّا قتَلَ المُستورِدَ العِجليَّ على الرِّدةِ، وقسَّمَ مالَه بينَ وَرثتِه المُسلِمينَ، وذلك مَرويٌّ عن ابنِ مَسعودٍ ومُعاذٍ .

والمَعنى فيه: أنَّه كانَ مُسلمًا مالِكًا لمالِه، فإذا تمَّ هَلاكُه يَخلُفُه وارِثُه في مالِه كما لو ماتَ المُسلمُ، وتَحقيقُ هذا الكَلامِ أنَّ الرِّدةَ هَلاكٌ؛ فإنَّه يَصيرُ به حَربًا، وأهلُ الحَربِ في حَقِّ المُسلِمينَ كالمَوتى، إلا أنَّ تَمامَ هَلاكِه حَقيقةً بالقَتلِ أو المَوتِ، فإذا تَمَّ ذلك استنَدَ التَّوريثُ إلى أولِ الرِّدةِ، وقد كانَ مُسلمًا عندَ ذلك، فيَخلُفُه وارِثُه المُسلمُ في مالِه، ويَكونُ هذا تَوريثَ المُسلمِ من المُسلمِ، وهذا لأنَّ الحُكمَ عندَ تَمامِ سَببِه يَثبتُ من أولِ السَّببِ كالبَيعِ بشَرطِ الخيارِ؛ إذا أُجيزَ يَثبتُ المِلكُ من وَقتِ العَقدِ حتى يَستحقَّ المَبيعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>