للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأَماناتِ، فوجَبَ أنْ يَكونَ مُصدَّقًا على الرَّدِّ كما يُصدَّقُ على رَدِّ الوَديعةِ، والدَّليلُ على أنَّه أَمانةٌ أنَّ اليَتيمَ لو صدَّقَه على الهَلاكِ لم يَضمَنْه، كما أنَّ المُودِعَ إذا صدَّقَ المُودَعَ في هَلاكِ الوَديعةِ لم يَضمَنْه.

وأمَّا قَولُ الشافِعيِّ: إنَّه لمَّا لم يَأتمِنْهم الأَيتامُ لم يُصدَّقوا» فقَولٌ ظاهِرُ الاختِلالِ بَعيدٌ من مَعاني الفِقهِ مُنتقَضٌ فاسِدٌ؛ لأنَّه لو كانَ ما ذكَرَه عِلةً لنَفيِ التَّصديقِ لوجَبَ ألَّا يُصدَّقَ القاضي إذا قالَ لليَتيمِ: «قد دفَعتُه إليك»؛ لأنَّه لم يَأتمِنْه، وكذلك يَلزمُه أنْ يَقولَ في الأَبِ إذا قالَ بعدَ بُلوغِ الصَّغيرِ: «قد دفَعتُ إليك مالَك» ألَّا يُصدِّقَه؛ لأنَّه لم يَأتمِنْه، ويَلزمُه أيضًا أنْ يُوجبَ عليهم الضَّمانَ إذا تَصادَقوا بعدَ البُلوغِ أنَّه قد هلَكَ؛ لأنَّه أمسَكَ مالَه من غيرِ ائتِمانٍ له عليه، وأمَّا تَشبيهُه إياه بالوَكيلِ بدَفعِ المالِ إلى غيرِه فتَشبيهٌ بَعيدٌ، ومع ذلك فلا فَرقَ بينَهما من الوَجهِ الذي صدَّقنا فيه الوَصيَّ؛ لأنَّ الوَكيلَ مُصدَّقٌ أيضًا في بَراءةِ نَفسِه وغيرُ مُصدَّقٍ في إِيجابِ الضَّمانِ ودَفعِه إلى غيرِه، وإنَّما لم يُقبَلْ قَولُه على المَأمورِ بالدَّفعِ إليه، فأمَّا في بَراءةِ نَفسِه فهو مُصدَّقٌ كما صدَّقنا الوَصيَّ على الرَّدِّ بعدَ البُلوغِ، وأيضًا؛ فإنَّ الوَصيَّ في مَعنى من يَتصرَّفُ على اليَتيمِ بإِذنِه، ألَا تَرى أنَّه يَجوزُ تَصرفُه عليه في البَيعِ والشِّراءِ كجَوازِ تَصرفِ أَبيه؟ فإذا كانَ إِمساكُ الوَصيِّ المالَ بائتِمانِ الأَبِ له عليه، وكانَ إِذنُ الأَبِ جائِزًا على الصَّغيرِ صارَ كأنَّه مُمسِكٌ له بعدَ البُلوغِ بإِذنِه، فلا فَرقَ بينَه وبينَ المُودَعِ (١).


(١) «أحكام القرآن» (٢/ ٣٦٥، ٣٦٦)، و «مجمع الأنهر» (٢/ ٨٢٧)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٥٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>