للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الحَنفيةُ والحَنابِلةُ وعبدُ المَلكِ من المالِكيةِ إلى أنَّ القَولَ قَولُ الوَصيِّ أنَّه قد دفَعَ المالَ إليه يُصدَّقُ بيَمينِه، وأمَّا قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ﴾ [النساء: ٦] فليس في الأمرِ بالإِشهادِ دَليلٌ على أنَّه غيرُ أَمينٍ ولا مُصدَّقٍ فيه؛ لأنَّ الإِشهادَ مَندوبٌ إليه في الأَماناتِ كهو في المَضموناتِ، ألَا تَرى أنَّه يَصحُّ الإِشهادُ على رَدِّ الأَماناتِ من الوَدائعِ كما يَصحُّ في أَداءِ المَضموناتِ من الدُّيونِ، فإذًا ليسَ في الأمرِ بالإِشهادِ دِلالةٌ على أنَّه غيرُ مُصدَّقٍ فيه إذا لم يُشهِدْ.

قالَ الجَصاصُ: فإنْ قيلَ: إذا كانَ مُصدَّقًا في الرَّدِّ فما مَعنى الإِشهادِ مع قَبولِ قَولِه بغيرِ بَيِّنةٍ؟

قيلَ: له فيه ما قدَّمنا ذِكرَه من ظُهورِ أَمانتِه والاحتياطِ له في زَوالِ التُّهمةِ عنه في ألَّا يُدعَى عليه بعدَما قد ظهَرَ رَدُّه، وفيه الاحتياطُ لليَتيمِ في ألَّا يَدَّعيَ ما يُظهِرُ كَذِبَه فيه، وفيه أيضًا سُقوطُ اليَمينِ عن الوَصيِّ إذا كانَت له بَيِّنةٌ في دَفعِه إليه، ولو لم يُشهِدْ وادَّعى اليَتيمُ أنَّه لم يَدفَعْه كانَ القَولُ قَولَ الوَصيِّ مع يَمينِه، وإذا أشهَدَ فلا يَمينَ عليه، فهذه المَعاني كلُّها مُضمَّنةٌ بالإِشهادِ، وإنْ كانَ أَمانةً في يَدِه، ويَدلُّ على أنَّه مُصدَّقٌ فيه بغيرِ إِشهادٍ اتِّفاقُ الجَميعِ على أنَّه مَأمورٌ بحِفظِه وإِمساكِه على وَجهِ الأَمانةِ حتى يُوصلَه إلى اليَتيمِ في وَقتِ استِحقاقِه، فهو بمَنزِلةِ الوَدائعِ والمُضارباتِ وما جَرى مَجراها من

<<  <  ج: ص:  >  >>