ونقَلَ الأثرَمُ وحَنبلٌ: له عَزلُ نَفسِه إنْ وجَدَ حاكِمًا كما قدَّمَه في «المُحرَّر» وقطَعَ به الحارِثيُّ؛ لأنَّ العَزلَ تَضييعٌ للأَمانةِ وإِبطالٌ لحَقِّ المُسلمِ، وكذا إنْ تعذَّرَ تَنفيذُ الحاكِمِ للمُوصى به لعَدمِ ثُبوتِه عندَه أو نَحوِ ذلك، أو غلَبَ على الظَّنِّ أنَّ الحاكِمَ يُسنِدُ إلى من ليسَ بأهلٍ أو أنَّ الحاكِمَ ظالِمٌ، ذكَرَه الحارِثيُّ.
وللمُوصي عَزلُه متى شاءَ كالمُوكِّلِ.
ويَجوزُ أنْ يَجعلَ المُوصي أو الحاكِمُ للوَصيِّ جُعلًا مَعلومًا كالوَكالةِ، ومُقاسَمةُ الوَصيِّ المُوصَى له نافِذةٌ على الوَرثةِ؛ لأنَّه نائِبٌ عنهم ففِعلُه كفِعلِهم، بخِلافِ مُقاسَمتِه للوَرثةِ على المُوصَى له؛ فإنَّها لا تَنفُذُ؛ لأنَّه ليسَ نائِبًا عنه كتَصرفِ الفُضوليِّ (١).
وقالَ ابنُ قُدامةَ ﵀: ويَصحُّ قَبولُ الوَصيةِ ورَدُّها في حَياةِ المُوصي؛ لأنَّها إِذنٌ في التَّصرفِ فصَحَّ قَبولُه بعدَ العَقدِ كالوَكيلِ، بخِلافِ الوَصيةِ له؛ فإنَّها تَمليكٌ في وَقتٍ فلم يَصحَّ القَبولُ قبلَ الوَقتِ، ويَجوزُ تَأخيرُ القَبولِ إلى ما بعدَ المَوتِ؛ لأنَّها نَوعُ وَصيةٍ فصَحَّ قَبولُها بعدَ المَوتِ كالوَصيةِ له.
ومتى قبِلَ صارَ وَصيًّا، وله عَزلُ نَفسِه متى شاءَ مع القُدرةِ والعَجزِ في حَياةِ المُوصي وبعدَ مَوتِه بمَشهدٍ منه وفي غَيبتِه، وبهذا قالَ الشافِعيُّ.
(١) «مطالب أولي النهى» (٤/ ٥٣٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٥٢٣)، و «كشاف القناع» (٤/ ٤٨٢).