للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الشافِعيةُ: يُسنُّ لمَن علِمَ من نَفسِه الأَمانةَ القَبولُ، فإنْ لم يَعلَمْ من نَفسِه ذلك فالأَوْلى له ألَّا يَقبلَ، ونقَلَ الرَّبيعُ عن الشافِعيِّ أنَّه قالَ: لا يَدخلُ في الوَصيةِ إلا أحمَقُ أو لِصٌّ، فإنْ عَلِمَ من نَفسِه الضَّعفَ فالظاهِرُ أنَّه يَحرمُ القَبولَ؛ لمَا رَوى مُسلمٌ عن أَبي ذَرٍّ أنَّ النَّبيَّ قالَ له: «يا أَبا ذَرٍّ، إنِّي أَراكَ ضَعيفًا، وإنِّي أُحبُّ لك ما أُحبُّ لنَفسي، لا تَأمَّرَنَّ على اثنَينِ ولا تَولَّيَنَّ مالَ يَتيمٍ» (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: الدُّخولُ في الوَصيةِ للقَويِّ عليها قُربةٌ مَندوبةٌ لفِعلِ الصَّحابةِ ، فرُويَ عن أَبي عُبيدةَ أنَّه لمَّا عبَرَ الفُراتَ أَوصَى إلى عُمرَ، وأَوصَى إلى الزُّبَيرِ سِتةٌ من الصَّحابةِ، منهم عُثمانُ وابنُ مَسعودٍ وعبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ ، ولأنَّه مَعونةٌ للمُسلمِ يَدخلُ تحتَ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾ [النحل: ٩٠] وقَولِه: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾ وقَولِ النَّبيِّ : «أنا وكافِلُ اليَتيمِ في الجَنةِ كهاتَينِ». وقالَ بأُصبُعِه السَّبابةِ والتي تَليها، أخرَجَه البُخاريُّ.

قالَ ابنُ قُدامةَ: وقياسُ مَذهبِ أَحمدَ أنَّ تَركَ الدُّخولِ فيها أوْلى؛ لمَا فيها من الخَطرِ، ولا يَعدِلُ السَّلامةَ شَيءٌ، ولذلك كانَ يَرى تَركَ الالتِقاطِ وتَركَ الإِحرامِ قبلَ المِيقاتِ أفضَلَ؛ تَحرِّيًا للسَّلامةِ واجتِنابًا للخَطرِ، وقد رُويَ حَديثٌ يَدلُّ على ذلك، وهو ما رُويَ أنَّ النَّبيَّ قالَ لأَبي


(١) أخرجه مسلم (١٨٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>