للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإِمامُ الكاسانِيُّ : ولو أَوصَى ثم جحَدَ الوَصيةَ ذكَرَ في الأَصلِ أنَّه يَكونُ رُجوعًا، ولم يَذكُرْ خِلافًا.

قالُ المُعلَّى عن أَبي يُوسفَ في «نَوادِره»: قالَ أَبو يُوسفَ تَعالى في رَجلٍ أَوصَى بوَصيةٍ ثم عُرضَت عليه من الغَدِ، فقالَ: لا أعرِفُ هذه الوَصيةَ، قالَ: هذا رُجوعٌ منه.

وكذلك لو قالَ: «لم أُوصِ بهذه الوَصيةِ»، قال: وسألتُ مُحمدًا عن ذلك فقالَ: لا يَكونُ الجَحدُ رُجوعًا.

وذكَرَ في «الجامِعِ»: إذا أَوصَى بثُلثِ مالِه لرَجلٍ ثم قالَ بعدَ ذلك: «اشهَدوا أنِّي لم أُوصِ لفُلانٍ بقَليلٍ ولا بكَثيرٍ»، لم يَكنْ هذا رُجوعًا منه عن وَصيةِ فُلانٍ، ولم يَذكُرْ خِلافًا.

فيَجوزُ أنْ يَكونَ ما ذُكرَ في الأصلِ قَولَ أَبي يُوسفَ، ويَكونَ ما ذُكرَ في «الجامِع» قَولَ مُحمدٍ، ويَجوزُ أنْ يَكونَ في المَسألةِ رِوايتانِ.

وَجهُ ما ذُكرَ في «الجامِع» أنَّ الرُّجوعَ عن الوَصيةِ يَستَدعي سابِقيةَ وُجودِ الوَصيةِ، والجُحودُ إِنكارُ وُجودِها أصلًا، فلا يَتحقَّقُ فيه مَعنى الرُّجوعِ فلا يُمكنُ أنْ يُجعلَ رُجوعًا، ولهذا لم يَكنْ جُحودُ النِّكاحِ طَلاقًا، ولأنَّ إِنكارَ الوَصيةِ بعدَ وُجودِها يَكونُ كَذبًا مَحضًا، فكانَ باطِلًا لا يَتعلَّقُ به حُكمٌ كالإِقرارِ الكاذِبِ، حتى لو أقَرَّ بجاريةٍ لإِنسانٍ كاذِبًا والمُقَرُّ له يَعلمُ ذلك لا يَثبُتُ المِلكُ، حتى إنَّه لا يَحلُّ وَطؤُها، وكذا سائِرُ الأَقاريرِ الكاذِبةِ باطِلةٌ في الحَقيقةِ، كذا الإِنكارُ الكاذِبُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>