للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهُما؛ لأنَّه مُمكِنٌ أن تَكونَ صَلاتُه بالمَدينةِ في غيرِ خَوفٍ ولا سَفرٍ كانَت بأن أخَّرَ الأُولى مِنْ صَلاتَيِ النَّهارِ، فصلَّاها في آخرِ وقتِها، وصلَّى الثانيةَ في أوَّلِ وقتِها، وصنَعَ مثلَ ذلك بالعِشاءِ على ما ظنَّه أبو الشَّعثاءِ، وتَأوَّلَ الحَديثَ عليه هو وعَمرُو بنُ دِينارٍ، ومَوضعُهما مِنْ الفِقهِ المَوضعُ الذي لا فوقَه مَوضعٌ.

وإذا كانَ ذلك غيرَ مَدفوعٍ إمكانُه، وكانَ ذلك الفِعلُ يُسمَّى جَمعًا في اللُّغةِ العَربيةِ، بطَلَت الشُّبهةُ التي نزَعَ بها مِنْ هذا الحَديثِ مَنْ أرادَ الجَمعَ في الحَضرِ بينَ الصَّلاتَينِ في وقتِ إحداهُما؛ لأنَّ جِبريلَ أقامَ لرَسولِ اللهِ أَوقاتَ الصَّلواتِ، ثم سافَرَ رَسولُ اللهِ فجمَعَ بينَ الصَّلاتَينِ على حسَبِ ما تَقدَّمَ في هذا البابِ، وسُنَّ للمُسافرِ ذلك، كما سُنَّ له القَصرُ في السَّفرِ مع الأمنِ؛ تَوسعةً أذِنَ اللهُ له فيها، فسَنَّها لأُمتِه، فلا يَتعدَّى بها إلى غيرِ ما وضَعَها عليه ، وأمَّا قولُ ابنِ عَباسٍ إذ سُئلَ عن معنَى جَمعِ رَسولِ اللهِ بينَ الصَّلاتَينِ في الحَضرِ فقالَ: «أَرادَ أَلَّا يُحرِجَ أُمتَه»، فمَعناه مَكشوفٌ على ما وَصَفناه، أي: ألَّا يُضيِّقَ على أُمتِه، فتُصلِّيَ في أوَّلِ الوقتِ أبدًا، وفي وَسَطِه أو آخرِه أبدًا، لا تَتعدَّى ذلك، ولكِن لتُصلِّيَ في الوقتِ كيف شاءَت في أوَّلِه أو في وَسطِه أو آخرِه؛ لأنَّ ما بينَ طرفَيِ الوقتِ وقتٌ كلُّه، وأمَّا أن تُقدَّمَ صَلاةُ الحَضرِ قبلَ دُخولِ وقتِها فلا، واللهُ أعلَمُ (١).


(١) «الاستذكار» (٢/ ٢١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>