للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النِّعالِ والثِّيابِ، كما تَلحَقُ بالمَطرِ، ولأنَّ الوَحلَ يُلوِّثُ الثِّيابَ والنِّعالَ، ويَتعرَّضُ الإِنسانُ للزَّلقِ فتَتأذَّى نَفسُه وثِيابُه، وذلك أعظَمُ مِنْ البَللِ، وقد ساوَى الطِّينُ المَطرَ في العُذرِ في تَركِ الجمُعةِ والجَماعةِ، فدلَّ على تَساويهما في المَشقَّةِ المَرعيَّةِ في الحُكمِ، إلا أنَّ المالِكيةَ قالوا: إنِ اجتَمعَ المَطرُ والطِّينُ والظُّلمةُ أو اثنانِ منهما، أو انفَرَدَ المَطرُ، جازَ الجَمعُ، بخِلافِ انفِرادِ الظُّلمةِ، وفي انفِرادِ الطِّين قَولانِ، والمَشهورُ عدمُ الجَمعِ.

وذهَبَ الشافِعيةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَجوزُ الجَمعُ بسَببِ الطِّينِ، أو الوَحلِ؛ لأنَّ ذلك كانَ على عَهدِ رَسولِ اللهِ ، ولم يُنقَلْ أنَّه جمَعَ مِنْ أجلِه.

يَرى الحَنابلَةُ في الأصَحِّ عندَهم أنَّه يَجوزُ الجَمعُ مِنْ أجلِ الرِّيحِ الشَّديدةِ في اللَّيلةِ المُظلِمةِ البارِدةِ؛ لأنَّ ذلك عُذرٌ في تَركِ الجمُعةِ والجَماعةِ، بدَليلِ ما رَواه ابنُ عمرَ أنَّ رَسولَ اللهِ كانَ يُنادي مُناديه في اللَّيلةِ المَطيرةِ، أوِ اللَّيلةِ البارِدةِ ذاتِ الرِّيحِ: «صَلُّوا في رِحالِكم» (١).

ويَرى المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلَةُ في غيرِ الرَّاجحِ عندَهم أنَّه لا يُباحُ الجَمعُ مِنْ أجلِ الرِّيحِ الشَّديدةِ والظُّلمةِ؛ لأنَّ المَشقَّةَ فيهما دونَ المَشقَّةِ في المَطرِ، فلم يَصحَّ إلحاقُها بالمَطرِ؛ ولأنَّهما كانَتا في زَمنِ النَّبيِّ ولم يُنقَلْ أنَّه جمَعَ مِنْ أجلِهما (٢).


(١) رواه البخاري (٦٠٦)، ومسلم (٦٩٧).
(٢) «الشَّرح الكبير وحاشية الدُّسوقي» (١/ ٣٧٠، ٣٧١)، و «الذَّخيرة» (٢/ ٣٧٤)، و «بلغة السالك» (١/ ٣٢٢)، و «منح الجليل» (١/ ٤٢٣)، و «بداية المجتهد» (١/ ٢٤٥)، و «القوانين الفقهية» (٨٧)، و «المجموع» (٥/ ٤٩٥، ٥٠٢)، و «مُغني المحتاج» (١/ ٢٧٥)، و «المغني» (٢/ ٥٠٩، ٥١٦)، و «مجموع الفتاوى» (٢١/ ٤٥٨) (٢٤، ٧٦، ٨٣)، و «الفروع» (٢/ ٥٩)، و «الإنصاف» (٢/ ٣٤١، ٣٤٦)، و «الإفصاح» (١/ ٢٢٣)، و «منار السبيل» (١/ ١٦٢، ١٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>