للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقيلَ: يُرجعُ فيه إلى العُرفِ.

قُلتُ: وهو الصَّوابُ إنْ لم يَصحَّ الحَديثُ (١).

وقالَ الرُّحَيبانيُّ: وتُقسَّمُ الوَصيةُ على عَددِ الدُّورِ، ثم تُقسَّمُ حِصةُ كلِّ دارٍ على سُكانِها؛ لأنَّ مُطلَقَ الإِضافةِ يَقتَضي التَّسويةَ (٢).

وذهَبَ الإِمامُ أَبو حَنيفةَ إلى أنَّه لو أَوصَى لجِيرانِه فهُم المُلاصِقونَ له؛ لأنَّ الجِوارَ عِبارةٌ عن القُربِ وحَقيقةُ ذلك في المُلاصِقِ، وما بعدَه بَعيدٌ بالنِّسبةِ إليه، ولأنَّه يَستحِقُّ الشُّفعةَ بهذا الجِوارِ، ويَستَوي فيه الساكِنُ والمالِكُ، ومَن كانَ منهم له دارٌ في تلك الدُّورِ وليسَ بساكِنٍ فيها فليس من جِيرانِه، ويَستَوي أيضًا المُسلمُ والذِّميُّ والرَّجلُ والمَرأةُ والصَّغيرُ والبالِغُ.

وَجهُ قَولِ أَبي حَنيفةَ أنَّ الجِوارَ المُطلَقَ يَنصرِفُ إلى الحَقيقةِ، وهي الاتِّصالُ بينَ المِلكَينِ بلا حائِلٍ بينَهما هو حَقيقةُ المُجاوَرةِ، فأمَّا مع الحائِلِ فلا يَكونُ مُجاوِرًا حَقيقةً، ولهذا وجَبَت الشُّفعةُ للمُلاصِقِ لا للمُقابلِ؛ لأنَّه ليسَ بجارٍ حَقيقةً، ومُطلقُ الاسمِ مَحمولٌ على الحَقيقةِ، ولأنَّ الجِيرانَ المُلاصِقينَ هُمْ الذين يَكونُ لبعضِهم على بعضٍ حُقوقٌ يَلزمُ الوَفاءُ بها حالَ حَياتِهم، فالظاهِرُ أنَّه أَرادَ بهذه الوَصيةِ قَضاءَ حَقٍّ كانَ عليه، وإذا كانَ كذلك تَنصرِفُ الوَصيةُ إلى الجِيرانِ المُلاصِقينَ، إلا أنَّه لا بُدَّ من


(١) «الإنصاف» (٧/ ٢٤٣، ٢٤٤).
(٢) «مطالب أولي النهى» (٤/ ٤٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>