إلا أنَّهمُ اختَلَفوا في الجَمعِ بينَ الظُّهرِ والعَصرِ، فذهَبَ المالِكيةُ والحَنابلَةُ في المَذهبِ إلى أنَّه لا يَجوزُ الجَمعُ بينَ الظُّهرِ والعَصرِ بسَببِ المَطرِ ونحوِه؛ لِأثَرِ أَبي سَلمةَ بنِ عبد الرَّحمنِ، وأثَرِ ابنِ عمرَ المُتقدِّمينِ، ولأنَّ المَشقَّةَ في المَغربِ والعِشاءِ أشَدُّ؛ لِأجلِ الظُّلمةِ.
أمَّا الشافِعيةُ والحَنابلَةُ في قَولٍ فيرَونَ أنَّه يَجوزُ الجَمعُ بينَ الظُّهرِ والعَصرِ كذلك؛ بسَببِ المَطرِ ونحوِه؛ لمَا رَوى ابنُ عَباسٍ ﵁ أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ:«صلَّى الظُّهرَ والعَصرَ بالمَدينَةِ جَميعًا، والمَغربَ والعِشاءَ جَميعًا». وفي رِوايةٍ:«مِنْ غيرِ خَوفٍ ولا سَفرٍ». قالَ كلٌّ مِنْ الإمامِ مالِكٍ والشافِعيِّ: أَرى ذلك بعُذرِ المَطرِ؛ ولأنَّ العِلةَ هي وُجودُ المَطرِ سَواءٌ كانَ ذلك في اللَّيلِ والنَّهارِ.
إلا أنَّ الإمامَ مالِكًا لم يَقلْ بالجَمعِ بينَ الظُّهرِ والعَصرِ كما تَقدَّمَ.
وقد بيَّنَ ابنُ رُشدٍ في «بِداية المُجتَهدِ» سَببَ التَّفريقِ؛ فقالَ ﵀: وأمَّا الجَمعُ في الحَضرِ لعُذرِ المَطرِ فأجازَهُ الشافِعيُّ لَيلًا كانَ أو نَهارًا، ومنَعَه مالِكٌ في النَّهارِ، وأجازَه في اللَّيلِ وأجازَهُ أيضًا في الطِّينِ دونَ المَطرِ في اللَّيلِ، وقد عدَلَ الشافِعيُّ مالِكًا في تَفريقِه بينَ صَلاةِ النَّهارِ في ذلك وصَلاةِ اللَّيلِ؛ لأنَّه رَوى الحَديثَ وتأوَّلَه، أعني خصَّصَ عُمومَه مِنْ جِهةِ القِياسِ،
(١) حَديثٌ صَحيحٌ: رواه مالك في «الموطأ» (١٤٥)، والبَيهَقي في «السنن» (٣/ ١٦٨).