منها: أنَّه بعَثَ رَسولُ اللهِ ﷺ خَمسَمِئةِ دِينارٍ إلى مَكةَ حين قَحَطوا، وأمَرَ بدَفعِ ذلك إلى أَبي سُفيانَ بنِ حَربٍ وصَفوانَ بنِ أُميةَ ليُفرَّقا على فُقراءِ أهلِ مَكةَ، فقبِلَ ذلك أَبو سُفيانَ وأبو صَفوانَ.
قالَ: وبه نأخُذُ؛ لأنَّ صِلةَ الرَّحمِ مَحمودةٌ عندَ كلِّ عاقِلٍ وفي كلِّ دِينٍ، والإِهداءُ إلى الغيرِ من مَكارمِ الأَخلاقِ، قالَ ﷺ:«بُعثتُ لأُتمِّمَ مَكارمَ الأَخلاقِ»، فعَرَفنا أنَّ ذلك حَسنٌ في حَقِّ المُسلِمينَ والمُشرِكينَ جَميعًا. اه.
فالخِلافُ في جَوازِ صِلةِ الحَربيِّ وعَدمِه لا في جَوازِ الوَصيةِ وعَدمِه. اه، مُلخَّصًا، وتَمامُه في «الشُّرُنبُلالية».
والحاصِلُ: أنَّ التَّعليلَ بأنَّ الحَربيَّ كالمَيتِ اقتَضَى عَدمَ جَوازِ الوَصيةِ له، والتَّعليلُ بالنَّهيِ اقتَضَى عَدمَ جَوازِ كلٍّ من الوَصيةِ والصِّلةِ، وما في «السِّير» دَلَّ على جَوازِ الصِّلةِ دونَ الوَصيةِ خِلافًا لمَا فهِمَه شُراحُ «الجامِع»، فصارَ الخِلافُ في جَوازِ الصِّلةِ فقط.
أَقولُ: وقد رأيتُ نَصَّ الإِمامِ مُحمدٍ على جَوازِ الهَديةِ حيثُ قالَ في مُوطَّئِه في بابِ ما يُكرهُ من لُبسِ الحَريرِ والدِّيباجِ: ولا بَأسَ أيضًا بالهَديةِ إلى المُشركِ المُحاربِ ما لم يُهدَ إليه سِلاحٌ أو دِرعٌ، وهو قَولُ أَبي حَنيفةَ والعامةِ من فُقهائِنا. اه (١).