للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مالِه؛ لأنَّ المُسلمَ إنَّما مُنعَ من الوَصيةِ بما زادَ على الثُّلثِ لحَقِّ وَرثةِ المُسلِمينَ؛ فإنَّ حَقَّهم مَعصومٌ من الإِبطالِ بخِلافِ وَرثةِ الحَربيِّ؛ لأنَّ حَقَّهم غيرُ مَعصومٍ، فلذلك لم يَمنَعْ حَقُّهم صِحةَ الوَصيةِ بالجَميعِ كما في شُروحِ «الجامِع الصَّغير» (١).

وقالَ الإِمامُ ابنُ عابدِين: قَولُه: (لا حَربيٍّ في دارِه) أي: وإنْ أَجازَت الوَرثةُ لنَهَينا عن بِرِّهم بقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ … ﴾ [الممتحنة: ٩] الآيةَ، فعَدمُ الجَوازِ لحَقِّ الشَّرعِ لا لحَقِّ الوَرثةِ، بخِلافِ الوَصيةِ للوارِثِ أو للأَجنبيِّ بما زادَ على الثُّلثِ؛ فإنَّه لحَقِّ الوَرثةِ؛ لأنَّ الحَربيَّ في دارِه كالمَيتِ في حَقِّنا والوَصيةُ للمَيتِ باطِلةٌ.

ونَصَّ مُحمدٌ في «الأَصل» على عَدمِ جَوازِ الوَصيةِ للحَربيِّ صَريحًا، وكذا في «الجامِع الصَّغير»، وذكَرَ شُراحُه أنَّ في «السِّيَر الكَبير» ما يَدلُّ على الجَوازِ، ورَدَّه العَلامةُ قاضي زاده بأنَّ لَفظَ «السِّيَر الكَبير»: لو أَوصَى مُسلمٌ لحَربيٍّ والحَربيُّ في دارِ الحَربِ لا يَجوزُ، واعتَرَضه في «العَزمية» بأنَّ ناقِلي الجَوازِ مُؤتَمنونَ في الأخذِ والنَّقلِ.

وذكَرَ العَلامةُ جوى زاده أنَّ مُرادَهم بما يَدلُّ على الجَوازِ ما ذكَرَه في «شَرح السِّير الكَبير» للسَّرخَسيِّ بقَولِه: لا بأسَ أنْ يَصلَ الرَّجلُ المُسلمُ المُشركَ قَريبًا كانَ أو بَعيدًا، مُحارِبًا كانَ أو ذِميًّا، واستدَلَّ عليه بأَحاديثَ،


(١) «مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر» (٤/ ٤٢٠)، ويُنظَر: «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٧٩)، و «الفتاوى الهندية» (٦/ ٩٢)، و «درر الحكام» (٩/ ١٠، ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>